البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{لَّقَدۡ كُنتَ فِي غَفۡلَةٖ مِّنۡ هَٰذَا فَكَشَفۡنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلۡيَوۡمَ حَدِيدٞ} (22)

قرأ الجمهور : { لقد كنت في غفلة } ، بفتح التاء ، والكاف في كنت وغطاءك وبصرك ؛ والجحدري : بكسرها على مخاطبة النفس .

وقرأ الجمهور : { عنك غطاءك فبصرك } ، بفتح التاء والكاف ، حملاً على لفظ كل من التذكير ؛ والجحدري ، وطلحة بن مصرّف : عنك غطاءك فبصرك ، بالكسر مراعاة للنفس أيضاً ، ولم ينقل الكسر في الكاف صاحب اللوامح إلا عن طلحة وحده .

قال صاحب اللوامح : ولم أجد عنه في { لقد كنت } الكسر ، فإن كسر فإن الجميع شرع واحد ؛ وإن فتح { لقد كنت } ، فحمل على كل أنه مذكر .

ويجوز تأنيث كل في هذا الباب لإضافته إلى نفس ، وهو مؤنث ، وإن كان كان كذلك ، فإنه حمل بعضه على اللفظ وبعضه على المعنى ، مثل قوله : { فله أجره } ، ثم قال : { ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون } انتهى .

قال ابن عباس ، وصالح بن كيسان ، والضحاك : يقال للكافر الغافل من ذوي النفس التي معها السائق والشهيد ، إذا حصل بين يدي الرحمن ، وعاين الحقائق التي لا يصدق بها في الدنيا ، ويتغافل عن النظر فيها : { لقد كنت في غفلة من هذا } : أي من عاقبة الكفر .

فلما كشف الغطاء عنك ، احتدّ بصرك : أي بصيرتك ؛ وهذا كما تقول : فلان حديد الذهن .

وقال مجاهد : هو بصر العين ، أي احتدّ التفاته إلى ميزانه وغير ذلك من أهوال القيامة .

وعن زيد بن أسلم قول في هذه الآية يحرم نقله ، وهو في كتاب ابن عطية .

وكنى بالغطاء عن الغفلة ، كأنها غطت جميعه أو عينيه ، فهو لا يبصر .

فإذا كان في القيامة ، زالت عنه الغفلة ، فأبصر ما كان لم يبصره من الحق .