محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{لَّقَدۡ كُنتَ فِي غَفۡلَةٖ مِّنۡ هَٰذَا فَكَشَفۡنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلۡيَوۡمَ حَدِيدٞ} (22)

{ لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد 22 } .

{ لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد } في المخاطب بهذا ، أقوال ثلاثة :

أحدها – أنه النبي صلى الله عليه وسلم ، أتى بهذه الجملة معترضة في خلال أمر النبأ الأخرويّ ، تنويها بمنة الإعلام بذلك ، والتعريف به ، ثم شدة نفوذ البصر به ، والوقوف على غوامضه ، بعد خلو الذهن عنه رأسا . والمعنى : لقد كنت في غفلة من هذا القرآن قبل أن يوحى إليك ، فكشفنا عنك غطاءك بإنزاله إليك ، فبصرك اليوم حديد ، نافذ قويّ ، ترى ما لا يرون ، وتعلم ما لا يعلمون . ومثله آية {[6757]} { ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان } .

وثانيها – أنه الكافر ، وأن الكلام على تقدير القول . أي : يقال له لقد كنت في غفلة من هذا الذي عاينت اليوم من الأهوال ، فكشفنا عنك غطاءك ، بأن جلينا لك ، ذلك ، وأظهرناه لعينيك ، حتى رأيته وعاينته ، فزالت الغفلة عنك . ومثله عن الكفار آية {[6758]} { أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا } وآية {[6759]} { ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا } .

وثالثها – أنه الإنسان مطلقا ، لقوله { وجاءت كل نفس } ، والمقصود أنه كشف الغطاء عن البرّ والفاجر ، ورأى كل ما يصير إليه .

/ وعوّل ابن جرير {[6760]} في الأولوية على الثالث .

قال الزمخشريّ : جعلت الغفلة كأنها غطاء غطى به جسده كله ، أو غشاوة غطى بها عينيه ، فهو لا يبصر شيئا . فإذا كان يوم القيامة تيقظ ، وزالت الغفلة عنه وغطاؤها ، فيبصر ما لم يبصره من الحق .

وقال القاشانيّ في تأويل الآية : { لقد كنت في غفلة من هذا } لاحتجابك بالحس والمحسوسات ، وذهولك عنه ، لاشتغالك بالظاهر عن الباطن { فكشفنا عنك } بالموت { غطاءك } المادي الجسماني ، الذي احتجبت به { فبصرك اليوم حديد } أي إدراكك لما ذهلت عنه ، ولم تصدق بوجوده ، قويّ تعاينه . انتهى .


[6757]:[42/ الشورى/ 52].
[6758]:[ 19/ مريم/ 38].
[6759]:[32/السجدة/ 12].
[6760]:انظر الصفحة رقم 164 من الجزء السادس والعشرين(طبعة الحلبي الثانية(.