أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{وَٱلشَّمۡسُ تَجۡرِي لِمُسۡتَقَرّٖ لَّهَاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ} (38)

شرح الكلمات :

{ لمستقر لها } : أي مكان لها لا تتجاوزه .

{ ذلك تقدير العزيز العليم } : أي جريها في فلكها تقدير أي تقنين العزيز في ملكه العليم بكل خلقه .

المعنى :

{ والشمس تجري لمستقر لها } أي تجري في فلكها منه تبتدئ سيرها وإليه سيرها وذلك مستقرها ، ولها مستقر آخر وهو نهاية الحياة الدنيا ، وإنها لتسجد كل يوم تحت العرش وتستأذن باستئناف دورانها فيأذن لها كما صح بذلك الخبر عن سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم وكونها تحت العرش فلا غرابة فيه فالكون كله تحت العرش وكونها تستأذن فيؤذن لها لا غرابة فيه إذا كانت النملة تدبر أمر حياتها بإِذن ربّها وتقول وتفكر وتعمل فالشمس أحرى بذلك وأنها تنطق بنطقها الخاص وتستأذن ويؤذن لها وقوله تعالى { ذلك تقدير العزيز } أي الغالب على مراده العليم بكل خلقه ، وتقدير سير الشمس في فلكها بالثانية وتقطع فيه ملايين الأميال أمر عجب ونظام سيرها طوال الحياة فلا يختل بدقيقة ولا يرتفع مستواها شبراً ولا ينخفض شبرا إذ يترتب على ذلك خراب العالم الأرضي كل ذلك لا يقدر عليه إلا الله ، أليس المبدع هذا الإِبداع في الخلق والتدبير قادر على إحياء من خلق وأمات ؟ بلى ، إن الله على كل شيء قدير .

/ذ40

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَٱلشَّمۡسُ تَجۡرِي لِمُسۡتَقَرّٖ لَّهَاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ} (38)

ولما ذكر الوقتين ، ذكر آيتيهما فقال : { والشمس } أي التي سلخ النهار من الليل بغيبوبتها { تجري } ولما كان غيابها بالليل مثل سكون الإنسان في مبيته ، وجعلها على خط قدر لسيرها كل يوم بتقدير لا زيع فيه ومنهاج لا يعوج ، قال : { لمستقر } أي عظيم { لها } وهو السير الذي لا تعدوه جنوباً ولا شمالاً ذاهبة وآئبة ، وهي فيه مسرعة - بدليل التعبير باللام في موضع " إلى " ويدل على هذا قراءة " لا مستقر لها " بل هي جارية ابداً إلى انقراض الدنيا في موضع مكين محكم هو أهل للقرار ، وعبر به مع أنها لا تستقر ما دام هذا الكون لئلا يتوهم أن دوام حركتها لأجل أن موضع جريها لا يمكن الاستقرار عليه ، ولا ينافي هذا ما في صحيح البخاري وفي كتاب الإيمان من صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مستقرها تحت العرش ، وأنها تذهب فتستأذن في السجود فيؤذن لها وكأنها قد قيل لها : ارجعي من حيث جئت ، فتطلع من مغربها " - هذا لفظ مسلم ، وسيأتي لفظ البخاري ، ويمكن أن يكون المستقر آخر جريها عند إبادة هذا الوجود .

ولما كان هذا الجري على نظام لا يختل على مر السنين وتعاقب الأحقاب تكل الأوهام عن استخراجه ، وتتحير الأفهام في استنباطه ، عظمه بقوله : { ذلك } أي الأمر الباهر للعقول ؛ وزاد في عظمه بصيغة التفعيل في قوله : { تقدير } وأكد ذلك لافتاً القول عن مطلق مظهر العظمة إلى تخصيصه بصفتي العزة والعلم تعظيماً لهذه الآية تنبيهاً على أنها أكبر آيات السماء فقال : { العزيز } أي الذي لا يقدر أحد في شيء من أمره على نوع مغالبة ، وهو غالب على كل شيء { العليم * } أي المحيط علماً بكل شيء الذي يدبر الأمر ، فيطرد على نظام عجيب ونهج بديع لا يعتريه وهن ولا يلحقه يوماً نوع خلل إلى أن يريد سبحانه إبادة هذا الكون فتسكن حركاته وتفنى موجوداته ، روى البخاري عن أبي ذر رضي الله عنه قال : " كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد عند غروب الشمس فقال : يا أبا ذر ! أتدري أين تذهب ؟ قال : قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها ، فيقال لها : ارجعي من حيث جئت ، فذلك قوله تعالى : { والشمس تجري لمستقر لها } " .