أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُزَّمِّلُ} (1)

شرح الكلمات :

{ يا أيها المزمل } : أي المتلفف بثيابه أي النبي صلى الله عليه وسلم .

المعنى :

قوله تعالى { يا أيها المزمل } نادى الربّ تبارك وتعالى نبيّه محمداً صلى الله عليه وسلم مذكراً إياه بتلك الساعة السعيدة التي فاجأه فيها الوحي لأول مرة فرجع بها ترجف بوادره فانتهى إلى خديجة وهو يقول زملوني دثروني فالمزمل هو المتزمل أي المتلفف في ثيابه ليقول له قم الليل إلا قليلا .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُزَّمِّلُ} (1)

مقدمة السورة:

( مكية ) كلها في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر .

وقال ابن عباس وقتادة : إلا آيتين منها : " واصبر على ما يقولون " [ المزمل : 10 ] والتي تليها ، ذكره الماوردي . وقال الثعلبي : قوله تعالى : " إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى " [ المزمل : 20 ] إلى آخر السورة ، فإنه نزل بالمدينة .

فيه ثمان مسائل :

الأولى- قوله تعالى : " يا أيها المزمل " قال الأخفش سعيد : " المزمل " {[15495]} أصله المتزمل ، فأدغمت التاء في الزاي وكذلك " المدثر " . وقرأ أبي بن كعب على الأصل " المتزمل " و " المتدثر " . وسعيد : " المزمل " . وفي أصل " المزمل " قولان : أحدهما أنه المحتمل ، يقال : زمل الشيء إذا حمله ، ومنه الزاملة ؛ لأنها تحمل القماش{[15496]} . الثاني أن المزمل هو المتلفف ، يقال : تزمل وتدثر بثوبه إذا تغطى . وزمل غيره إذا غطاه ، وكل شيء لفف فقد زمل ودثر ، قال امرؤ القيس :

كبيرُ أناسٍ في بِجَادٍ مُزَمَّلِ{[15497]}

الثانية- قوله تعالى : " يا أيها المزمل " هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، وفيه ثلاثة أقوال : الأول قول عكرمة : " يا أيها المزمل " بالنبوة والملتزم للرسالة . وعنه أيضا : يا أيها الذي زمل هذا الأمر أي حمله ثم فتر ، وكان يقرأ : " يا أيها المزمَّل " بتخفيف الزاي وفتح الميم وتشديدها على حذف المفعول ، وكذلك " المدثر " والمعنى المزمل نفسه والمدثر نفسه ، أو الذي زمله غيره . الثاني : " يا أيها المزمل " بالقرآن ، قاله ابن عباس . الثالث المزمل بثيابه ، قال قتادة وغيره . قال النخعي : كان متزملا بقطيفة . عائشة : بمرط طوله أربعة عشر ذراعا ، نصفه علي وأنا نائمة ، ونصفه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ، والله ما كان خزا ولا قزا ولا مرعزاء{[15498]} ولا إبريسما ولا صوفا ، كان سداه شعرا ، ولحمته وبرا ، ذكره الثعلبي .

قلت : وهذا القول من عائشة يدل على أن السورة مدنية ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبن بها إلا في المدينة . وما ذكر من أنها مكية لا يصح . والله أعلم .

وقال الضحاك : تزمل بثيابه لمنامه . وقيل : بلغه من المشركين سوء قول فيه ، فاشتد عليه فتزمل في ثيابه وتدثر ، فنزلت : " يا أيها المزمل " [ المزمل : 1 ] و " يا أيها المدثر " [ المدثر : 1 ] . وقيل : كان هذا في ابتداء ما أوحى إليه ، فإنه لما سمع قول الملك ونظر إليه أخذته الرعدة فأتى أهله فقال : ( زملوني دثروني ) روي معناه عن ابن عباس . وقالت الحكماء : إنما خاطبه بالمزمل والمدثر في أول الأمر ؛ لأنه لم يكن بعد ادثر شيئا من تبليغ الرسالة . قال ابن العربي : واختلف في تأويل : " يا أيها المزمل " فمنهم من حمله على حقيقته ، قيل له : يا من تلفف في ثيابه أو في قطيفته قم . قاله إبراهيم وقتادة . ومنهم من حمله على المجاز ، كأنه قيل له : يا من تزمل بالنبوة . قاله عكرمة . وإنما يسوغ هذا التفسير لو كانت الميم مفتوحة مشددة بصيغة المفعول الذي لم يسم فاعله ، وأما وهو بلفظ الفاعل فهو باطل . قلت : وقد بينا أنها على حذف المفعول : وقد قرئ بها ، فهي صحيحة المعنى . قال : وأما من قال إنه زمل القرآن فهو صحيح في المجاز ، لكنه قد قدمنا أنه لا يحتاج إليه .

الثالثة- قال السهيلي : ليس المزمل باسم من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يعرف به كما ذهب إليه بعض الناس وعدوه في أسمائه عليه السلام ، وإنما المزمل اسم مشتق من حالته التي كان عليها حين الخطاب ، وكذلك المدثر . وفي خطابه بهذا الاسم فائدتان : إحداهما الملاطفة ، فإن العرب إذا قصدت ملاطفة المخاطب وترك المعاتبة سموه باسم مشتق من حالته التي هو عليها ، كقول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي حين غاضب فاطمة رضي الله عنهما ، فأتاه وهو نائم وقد لصق بجنبه التراب فقال له : ( قم يا أبا تراب ) إشعارا له أنه غير عاتب عليه ، وملاطفة له . وكذلك قوله عليه السلام لحذيفة : ( قم يا نومان ) وكان نائما ملاطفة له ، وإشعارا لترك العتب والتأنيب{[15499]} . فقول الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم : " يا أيها المزمل قم " فيه تأنيس وملاطفة ؛ ليستشعر أنه غير عاتب عليه . والفائدة الثانية : التنبيه لكل متزمل راقد ليله ليتنبه إلى قيام الليل وذكر الله تعالى فيه ؛ لأن الاسم المشتق من الفعل يشترك فيه مع المخاطب كل من عمل ذلك العمل واتصف بتلك الصفة .


[15495]:لعل هذا ما أراده بعض المفسرين بقولهم: قرأ بعض السلف "المزمل" بفتح الزاي وتخفيفها وفتح الميم وشدها.
[15496]:القماش: أردأ متاع البيت، ويقال له: سقط المتاع.
[15497]:صدر البيت: * كأن أبانا في أفانين ودقه *
[15498]:المرعزاء (بكسر الميم والعين): الزغب الذي تحت شعر العنز.
[15499]:في أ، ح، ل: "والتأنيس".