الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُزَّمِّلُ} (1)

مقدمة السورة:

أخرج ابن الضريس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال : نزلت { يا أيها المزمل } بمكة .

وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله .

وأخرج النحاس عن ابن عباس قال : نزلت سورة المزمل بمكة إلا آيتين { إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى } .

وأخرج أبو داود والبيهقي في السنن عن ابن عباس قال : بت عند خالتي ميمونة فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ، فصلى ثلاث عشرة ركعة منها الفجر فحزرت قيامه في كل ركعة بقدر { يا أيها المزمل } والله أعلم .

أخرج البزار والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الدلائل عن جابر قال : اجتمعت قريش في دار الندوة فقالوا : سموا هذا الرجل اسماً تصدر الناس عنه ، فقالوا : كاهن ، قالوا : ليس بكاهن ، قالوا : مجنون ، قالوا : ليس بمجنون ، قالوا : يفرق بين الحبيب وحبيبه ، فتفرق المشركون على ذلك ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فتزمل في ثيابه وتدثر فيها ، فأتاه جبريل فقال : { يا أيها المزمل } { يا أيها المدثر } .

وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة والبيهقي في سننه عن سعد بن هشام قال : قلت لعائشة : أنبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم . قالت : ألست تقرأ هذه السورة { يا أيها المزمل } قلت : بلى قالت : فإن الله قد افترض قيام الليل في أول هذه السورة ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً حتى انتفخت أقدامهم وأمسك الله خاتمتها في السماء اثني عشر شهراً ، ثم أنزل الله التخفيف في آخر هذه السورة ، فصار قيام الليل تطوعاً من بعد فريضة .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عائشة قالت : نزل القرآن { يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلاً } حتى كان الرجل يربط الحبل ويتعلق فمكثوا بذلك ثمانية أشهر فرأى الله ما يبتغون من رضوانه فرحمهم وردهم إلى الفريضة وترك قيام الليل .

وأخرج محمد بن نصر في كتاب الصلاة والحاكم وصححه عن جبير بن نفير قال : سألت عائشة عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل فقالت : ألست تقرأ { يا أيها المزمل } قلت : بلى . قالت : هو قيامه .

وأخرج عبدالله بن أحمد في زوائد الزهد ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة عن عائشة قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم قلما ينام من الليل لما قال الله له : { قم الليل إلا قليلاً } .

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم ومحمد بن نصر والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : لما نزلت أول المزمل كانوا يقومون نحواً من قيامهم في شهر رمضان حتى نزل آخرها ، وكان بين أولها وآخرها نحو من سنة .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن نصر عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : نزلت { يا أيها المزمل } قاموا حولاً حتى ورمت أقدامهم وسوقهم حتى نزلت { فاقرءُوا ما تيسر منه } فاستراح الناس .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : لما نزلت { يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلاً } مكث النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الحال عشر سنين يقوم الليل كما أمره الله ، وكانت طائفة من أصحابه يقومون معه ، فأنزل الله بعد عشر سنين { إن ربك يعلم أنك تقوم } إلى قوله : { فأقيموا الصلاة } فخفف الله عنهم بعد عشر سنين .

وأخرج أبو داود في ناسخه ومحمد بن نصر وابن مردويه والبيهقي في السنن من طريق عكرمة عن ابن عباس قال في المزمل : { قم الليل إلا قليلاً نصفه } الآية التي فيها { علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرؤوا ما تيسر منه } وناشئة الليل أوله . كانت صلاتهم أول الليل يقول : هو أجدر أن تحصوا ما فرض الله عليكم من قيام الليل ، وذلك أن الإِنسان إذا نام لم يدر متى يستيقظ وقوله : { وأقوم قيلاً } يقول : هو أجدر أن تفقه قراءة القرآن وقوله : { إن لك في النهار سبحاً طويلاً } يقول : فراغاً طويلاً .

وأخرج ابن أبي حاتم عن إبراهيم النخعي في قوله : { يا أيها المزمل } قال : نزلت وهو في قطيفة .

وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله : { يا أيها المزمل } قال : زملت هذا الأمر فقم به .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن نصر عن عكرمة في قوله : { يا أيها المزمل } قال : زملت هذا الأمر فقم به وفي قوله : { يا أيها المدثر } قال : دثرت هذا الأمر فقم به .

وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله : { يا أيها المزمل } قال : النبي صلى الله عليه وسلم يتدثر بالثياب .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن نصر عن قتادة في قوله : { يا أيها المزمل } قال : هو الذي تزمل بثيابه .

وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير في قوله : { يا أيها المزمل } قال : النبي صلى الله عليه وسلم .