مكية في قول الحسن رضي الله عنه وعكرمة وعطاء وجابر ، وقال ابن عباس وقتادة : إلا آيتين منها :{ واصبر على ما يقولون } ، والتي تليها{[1]} [ الآية :10 ، 11 ] ، ذكره الماوردي وغيره .
وقال الثعلبي :{ إن ربك يعلم أنك تقوم }[ المزمل : 10 ، 11 ] ، إلى آخر السورة ، فإنه نزل بالمدينة{[2]} . وهي سبع وعشرون آية ، ومائتان وخمس وثمانون كلمة ، وثماني مائة وثمانية وثلاثون حرفا .
قوله تعالى : { يا أيها المزمل } ، أصله «المُتزمِّلُ » فأدغمت التاء في الزاي ، يقال : تزمَّل يتزمل تزملاً ، فإذا أريد الإدغام : اجتلبت همزة الوصل ، وبهذا الأصل قرأ أبي بن{[58256]} كعب .
وقرأ عكرمة{[58257]} : «المُزمِّل » - بتخفيف الزاي وتشديد الميم - اسم فاعل ، وعلى هذا فيكون فيه وجهان :
أحدهما : أن أصله «المُزتمِل » بوزن «مفتعل » فأبدلت التاء ميماً وأدغمت ، قاله أبو البقاء ، وهو ضعيف .
والثاني : أنه اسم فاعل من «زمل » مشدداً ، وعلى هذا ، فيكون المفعول محذوفاً ، أي : المزمل جسمه . وقرئ{[58258]} كذلك إلا أنه بفتح الميم اسم مفعول منه أي : «المُلفَّفُ ، والتزمل : التلفف ، يقال : تزمل زيد بكساء ، أي : الفت به ؛ وقال ذو الرُّمَّة : [ الطويل ]
4918 - وكَائِنْ تَخطَّت نَاقتِي مِنْ مفَازةٍ*** ومِنْ نَائِمٍ عَنْ ليْلِهَا مُتزمِّلِ{[58259]}
4919 - كَأنَّ ثَبِيراً فِي أفَانينِ ودقِهِ*** كَبِيرُ أنَاسٍ في بجَادٍ مُزمَّلِ{[58260]}
فصل في بيان لمن الخطاب في الآية
هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وفيه ثلاثةُ أقوالٍ :
الأول : قال عكرمة : { يا أيها المزمل } بالنبوة المتزمل بالرسالة{[58261]} ، وعنه : يا أيها الذي زمل هذا الأمر{[58262]} ، أي : حمله ثم فتر ، وكان يقرأ : { يا أيها المزمل } - بتخفيف الزاي وفتح الميم وتشديدها ، على حذف المفعول ، وكذلك : " المدثر " ، والمعنى : المزمل نفسه والمدثر نفسه ، والذي زمله غيره .
الثاني : قال ابن عباس : يا أيها المزمل بالقرآن{[58263]} .
الثالث : قال قتادة : يا أيها المزمل بثيابه{[58264]} .
قال النخعيُّ : كان متزملاً بقطيفة عائشة رضي الله عنها بمرط طوله أربعة عشر ذراعاً نصفه عليّ ، وأنا نائمة ونصفه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ، والله ما كان خزاً ولا قزاً ولا مرعزاء ولا إبريسم ولا صوفاً ، كان سداه شعراً ولحمته وبراً{[58265]} ، ذكره الثعلبي .
قال القرطبيُّ{[58266]} : " وهذا القول من عائشة يدل على أنَّ السورة مدنية ، فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يبنِ بها إلاَّ بالمدينة ، والقول بأنها مكية لا يصح " .
وقيل : بلغه من المشركين سوء قول فيه ، فاشتد عليه فتزمل ، وتدثر ، فنزل : { يا أيها المزمل } { يا أيها المدثر } .
وقيل : كان هذا في ابتداء أمر ما أوحي إليه فإنه لما سمع صوت الملك ، ونظر إليه أخذته الرعدة ، فأتى أهله ، وقال : زمِّلوني ، دثِّرُونِي .
روي معناه عن ابن عباس ، قال : أول ما جاءه جبريل خافه ، وظن أن به مساً من الجنِّ ، فناداه ، فرجل من الجبل مرتعداً وقال : زمِّلُوني ، زمِّلُونِي{[58267]} .
وقال الكلبيُّ : إنما تزمل النبي بثيابه ليتهيأ للصلاة{[58268]} ، وهو اختيار الفراءِ .
وقيل : إنه - عليه الصلاة والسلام - كان نائماً بالليل متزملاً في قطيفة فنودي بما يهجر تلك الحالة ، فقيل له : { يا أيها المزمل } قم واشتغل بالعبودية .
وقيل : معناه يا من تحمل أمراً عظيماً ، والزمل : الحمل .
قال البغويُّ : قال الحكماء : كان هذا الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم في أول الوحي قبل تبليغ الرسالة ، ثم خوطب بعد بالنبي ، والرسول .
فصل في نفي كون «المزمل » اسماً للنبي صلى الله عليه وسلم
قال السهيليُّ : ليس المزمل باسم من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم كما ذهب إليه بعض الناس ، وعدوه في أسمائه صلى الله عليه وسلم وإنما «المُزمِّلُ » اسم مشتق من حالته التي كان عليها حين الخطاب ، وكذلك كان المُدثِّرُ .
وفي خطابه بهذا الاسم فائدتان : إحداهما : الملاطفة ، فإن العرب إذا قصدت ملاطفة المخاطب وترك المعاتبة ، سموه باسم مشتق من حالته التي هو عليها «لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي - رضي الله عنه - حين غاضب فاطمة - رضي الله عنها - فأتاه وهو نائم وقد لصق جنبه بالتراب ، فقال له : " قُمْ أبَا تُرابٍ " ، إشعاراً له بأنه غير عاتب عليه ، وملاطفة له وإشعاراً بترك العتب ، [ وملاطفاً له وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام لحذيفة : قم يا نومان ملاطفة له ، وإشعاراً بترك العتب والتأنيب ] - وكان نائماً - فقول الله تعالى لمحمد - عليه الصلاة والسلام - : { يا أيها المزمل قُمِ } فيه تأنيس له ، وملاطفة ليستشعر أنه غير عاتب عليه .
والفائدة الثانية : التنبيه لكل متزمل راقد ليله ليتنبه إلى قيام الليل ، وذكر الله تعالى فيه لأن الاسم المشتق من الفعل يشترك فيه مع المخاطب كل من عمل ذلك العمل ، واتصف بتلك الصفة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.