فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُزَّمِّلُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة المزمل

هي تسع عشرة آية وقيل عشرون آية وهي مكية

قال الماوردي كلها مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر . قال وقال ابن عباس وقتادة إلا آيتين منها { واصبر على ما يقولون } والتي تليها ، وقال الثعلبي إلا قوله : { إن ربك يعلم أنك تقوم } إلى آخر السورة فإنه نزل بالمدينة ، أخرج النحاس عن ابن عباس أنه قال نزلت بمكة إلا آيتين { إن ربك يعلم } الخ ، وأخرج ابن الضريس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال نزلت يا أيها المزمل بمكة ، وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله ، وعن جابر " قال اجتمعت قريش في دار الندوة فقالوا سموا هذا الرجل اسما تصدون الناس عنه فقالوا كاهن ، قالوا ليس بكاهن ، قالوا مجنون قالوا ليس بمجنون ، قالوا ساحر ، قالوا ليس بساحر فتفرق المشركون على ذلك . فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فتزمل في ثيابه وتدثر فيها فأتاه جبريل فقال : { يا أيها المزمل ، يا أيها المدثر } " أخرجه البراز والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الدلائل ، وقال البراز بعد إخراجه من طريق معلى بن عبد الرحمن أن معلى قد حدث عنه جماعة من أهل العلم واحتملوا حديثه لكنه إذا تفرد بالأحاديث لا يتابع عليها ، وعن ابن عباس " قال بت عند خالتي ميمونة فقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي من الليل فصلى ثلاث عشرة ركعة منها ركعتا الفجر ، فحرزت قيامه في كل ركعة بقدر يا أيها المزمل " ، أخرجه أبو داود والبيهقي في السنن .

بسم الله الرحمن الرحيم

{ يا أيها المزمل ( 1 ) قم الليل إلا قليلا ( 2 ) نصفه أو انقص منه قليلا ( 3 ) أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا ( 4 ) }

{ يا أيها المزمل } أصله المتزمل فأدغمت التاء في الزاي ، والتزمل التلفف في الثوب ، وفي المصباح زملته بثوبه فتزمل مثل لففته فتلفف وزملت الشيء حملته ، ومنه قيل للبعير زاملة بالهاء للمبالغة لأنه يحمل متاع المسافر ، قرأ الجمهور بالإدغام ، وقرأ أبيّ ( المتزمل ) على الأصل وقرأ عكرمة بتخفيف الزاي ، وهذا الخطاب للبني صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد اختلف في معناه فقال جماعة إنه كان يتزمل صلى الله عليه وآله وسلم بثيابه في أول ما جاءه جبريل بالوحي فرقا منه حتى أنس به ، وقيل المعنى يا أيها المزمل بالنبوة والملتزم للرسالة ، وبهذا قال عكرمة وكان يقرأ يا أيها المزمل بتخفيف الزاي وفتح الميم المشددة اسم مفعول ، وعنه أيضا يا أيها الذي زمل هذا الأمر أي حمله ثم فتر ، وقيل المعنى يا أيها المزمل بالقرآن وقال الضحاك تزمل بثيابه لمنامه ونحوه عن قتادة ، وقيل بلغه من المشركين سوء قول فتزمل في ثيابه وتدثر ، فنزلت يا أيها المزمل ويا أيها المدثر .

وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما سمع صوت الملك ونظر إليه أخذته الرعدة فأتى أهله وقال زملوني دثروني ، وكان خطابه صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الخطاب في أول نزول الوحي ، ثم بعد ذلك خوطب بالنبوة والرسالة ، وقال ابن عباس زملت هذا الأمر فقم به ، وعنه قال يتزمل بالثياب ، قال السهيلي ليس المزمل من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم كما ذهب إليه بعض الناس وعدوه في أسمائه صلى الله عليه وسلم ، وإنما المزمل اسم مشتق من حاله التي كان عليها حين الخطاب ، وكذلك المدثر .

وفي خطابه صلى الله عليه وسلم بهذا الاسم فائدتان ( إحداهما ) الملاطفة فإن العرب إذا قصدت ملاطفة المخاطب وترك المعاتبة سموه باسم مشتق من حالته التي هو عليها " كقول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي حين غاضب فاطمة رضي الله عنها فأتاه وهو نائم وقد لصق بجنبه التراب فقال له : " قم أبا تراب " ، إشعارا له بأنه غير عاتب عليه وملاطف له . وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم لحذيفة " قم يا نومان وكان نائما " ملاطفة له وإشعارا بترك العتب ، فقول الله تعال لمحمد صلى الله عليه وسلم { يا أيها المزمل } فيه تأنيس له وملاطفة ليستشعر أنه غير عاتب عليه .

والفائدة الثانية التنبيه لكل متزمل راقد ليله أن يتنبه إلى قيام الليل وذكر الله تعالى ، لأن الاسم المشتق من الفعل يشترك فيه مع المخاطب كل من عمل ذلك العمل واتصف بتلك الصفة ، ذكره الخطيب .