السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُزَّمِّلُ} (1)

مقدمة السورة:

مكية ، في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : إلا آيتين منها { واصبر على ما يقولون } والتي تليها ذكره الماوردي ، وقال الثعلبي : { إن ربك يعلم أنك تقوم } إلى آخر السورة فإنه نزل بالمدينة .

وهي تسع عشرة أو عشرون آية ، ومائتان وخمس وثمانون كلمة ، وثمانمائة وثمانية وثلاثون حرفاً .

{ بسم الله } الذي من توكل عليه كفاه في جميع الأحوال { الرحمن } الذي عمّ بنعمة الإيجاد المهتدي والضال { الرحيم } الذي خص حزبه بالسداد في الأفعال والأقوال .

وقوله تعالى : { يا أيها المزمّل } أصله : المتزمل فأدغمت التاء في الزاي ، يقال : ازمّل يتزمّل تزمّلاً ، فإذا أريد الإدغام اجتلبت همزة الوصل ، وهذا الخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم وفيه ثلاثة أقوال : الأول : قال عكرمة : يا أيها المزمّل بالنبوّة والملتزم للرسالة ، وعنه : يا أيها الذي أزمل هذا الأمر ، أي : حمله ثم فتر . والثاني : قال ابن عباس رضي الله عنهما : يا أيها المزمّل بالقرآن . والثالث : قال قتادة رضي الله عنه : يا أيها المزمّل بثيابه . قال النخعي : كان متزملاً بقطيفة عائشة بمرط طوله أربعة عشر ذراعاً قالت عائشة رضي الله عنها : «كان نصفه عليّ وأنا نائمة ونصفه على النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يصلي والله ما كان خزاً ولا قزاً ولا مرعزى ولا إبريسماً ولا صوفاً كان سداه شعراً ولحمته وبراً » . ذكره الثعلبي ، ولحمة الثوب بفتح اللام وضمها والفتح أفصح ولحمة النسب كذلك والضم أفصح ولحمة البازي بالضم لا غير لأنها كاللقمة .

قال القرطبي : وهذا القول من عائشة رضي الله عنها يدل على أنّ السورة مدنية ، فإن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يبن بها إلا بالمدينة ، والقول بأنها مكية لا يصح . وقال الضحاك : تزمل لمنامه وقيل : بلغه من المشركين قول سوء فيه فاشتدّ عليه فتزمل وتدثر ، فنزلت { يا أيها المزمّل } و{ يا أيها المدثر } [ المدثر : 1 ] .

وقيل : كان هذا في ابتداء ما أوحي إليه «فإنه صلى الله عليه وسلم لما جاءه الوحي في غار حراء رجع إلى خديجة رضي الله عنها زوجته يرجف فؤاده ، فقال : «زملوني زملوني لقد خشيت على نفسي » أي : أن يكون هذا مبادئ شعر أو كهانة ، وكل ذلك من الشيطان أو أن يكون الذي ظهر له بالوحي ليس الملك ، وكان صلى الله عليه وسلم يبغض الشعر والكهانة غاية البغضة ، فقالت له ، وكانت وزيرة صدق رضي الله تعالى عنها : كلا والله لا يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق » . ونحو هذا من الكمال الذي يثبت .

وقيل : إنه صلى الله عليه وسلم كان نائماً في الليل متزملاً في قطيفة ، فنبه ونودي بما يهجن تلك الحالة التي كان عليها من التزمل في قطيفته ، فقيل له { يا أيها المزمّل } { قم الليل إلا قليلا } .