الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُزَّمِّلُ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

سورة المزمل مكية.

الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :

هي مكيّة إلاّ قوله سبحانه: (إن ربّك يعلم...) إلى آخر السورة.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

وهي مكية كلها في قول المهدوي وجماعة، وقال الجمهور هي مكية إلا قوله تعالى:"إن ربك يعلم "إلى آخر السورة فإن ذلك نزل بالمدينة.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

مقصودها:

الإعلام بأن محاسن الأعمال تدفع الأخطار والأوجال، وتخفف الأحمال الثقال، ولا سيما الوقوف بين يدي الملك المتعال، والتجرد في خدمته في ظلمات الليال، فإنه نعم الإله لقبول الأفعال والأقوال، ومحو ظلل الضلال، والمعين الأعظم على الصبر والاحتمال، لما يرد من الكدورات في دار الزوال، والقلعة والارتحال، واسمها المزمل أدل ما فيها على هذا المقال.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

يروى في سبب نزول هذه السورة أن قريشا اجتمعت في دار الندوة تدبر كيدها للنبي [صلى الله عليه وسلم] وللدعوة التي جاءهم بها. فبلغ ذلك رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فاغتم له؛ والتف بثيابه وتزمل ونام مهموما. فجاءه جبريل عليه السلام بشطر هذه السورة الأول (يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا.. الخ) وتأخر شطر السورة الثاني من قوله تعالى: (إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل...) إلى آخر السورة. تأخر عاما كاملا. حين قام رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وطائفة من الذين معه، حتى ورمت أقدامهم، فنزل التخفيف في الشطر الثاني بعد اثني عشر شهرا.

وتروى رواية أخرى تتكرر بالنسبة لسورة المدثر كذلك -كما سيجيء في عرض سورة المدثر إن شاء الله.

وخلاصتها أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] كان يتحنث في غار حراء- قبل البعثة بثلاث سنوات -أي يتطهر ويتعبد- وكان تحنثه -عليه الصلاة والسلام- شهرا من كل سنة -هو شهر رمضان- يذهب فيه إلى غار حراء على مبعدة نحو ميلين من مكة، ومعه أهله قريبا منه. فيقيم فيه هذا الشهر، يطعم من جاءه من المساكين، ويقضي وقته في العبادة والتفكير فيما حوله من مشاهد الكون، وفيما وراءها من قدرة مبدعة.. وهو غير مطمئن لما عليه قومه من عقائد الشرك المهلهلة، وتصوراتها الواهية، ولكن ليس بين يديه طريق واضح، ولا منهج محدد، ولا طريق قاصد يطمئن إليه ويرضاه.

وكان اختياره [صلى الله عليه وسلم] لهذه العزلة طرفا من تدبير الله له ليعده لما ينتظره من الأمر العظيم. ففي هذه العزلة كان يخلو إلى نفسه، ويخلص من زحمة الحياة وشواغلها الصغيرة؛ ويفرغ لموحيات الكون، ودلائل الإبداع؛ وتسبح روحه مع روح الوجود؛ وتتعانق مع هذا الجمال وهذا الكمال؛ وتتعامل مع الحقيقة الكبرى وتمرن على التعامل معها في إدراك وفهم.

ولا بد لأي روح يراد لها أن تؤثر في واقع الحياة البشرية فتحولها وجهة أخرى.. لا بد لهذه الروح من خلوة وعزلة بعض الوقت، وانقطاع عن شواغل الأرض، وضجة الحياة، وهموم الناس الصغيرة التي تشغل الحياة.

لا بد من فترة للتأمل والتدبر والتعامل مع الكون الكبير وحقائقه الطليقة. فالاستغراق في واقع الحياة يجعل النفس تألفه وتستنيم له، فلا تحاول تغييره. أما الانخلاع منه فترة، والانعزال عنه، والحياة في طلاقة كاملة من أسر الواقع الصغير، ومن الشواغل التافهة فهو الذي يؤهل الروح الكبير لرؤية ما هو أكبر، ويدربه على الشعور بتكامل ذاته بدون حاجة إلى عرف الناس، والاستمداد من مصدر آخر غير هذا العرف الشائع!

وهكذا دبر الله لمحمد [صلى الله عليه وسلم] وهو يعده لحمل الأمانة الكبرى، وتغيير وجه الأرض، وتعديل خط التاريخ. دبر له هذه العزلة قبل تكليفه بالرسالة بثلاث سنوات. ينطلق في هذه العزلة شهرا من الزمان، مع روح الوجود الطليقة، ويتدبر ما وراء الوجود من غيب مكنون، حتى يحين موعد التعامل مع هذا الغيب عندما يأذن الله.

فلما أن أذن، وشاء -سبحانه- أن يفيض من رحمته هذا الفيض على أهل الأرض، جاء جبريل عليه السلام إلى النبي [صلى الله عليه وسلم] وهو في غار حراء.. وكان ما قصه رسول الله [صلى الله عليه وسلم] من أمره معه فيما رواه ابن إسحاق عن وهب بن كيسان، عن عبيد، قال:

"فجاءني جبريل وأنا نائم بنمط من ديباج فيه كتاب فقال: اقرأ. قال قلت: ما أقرأ [وفي الروايات: ما أنا بقارئ] قال: فغتني به [أي ضغطني] حتى ظننت أنه الموت. ثم أرسلني فقال: اقرأ. قلت: ما أقرأ. قال: فغتني حتى ظننت أنه الموت. ثم أرسلني فقال: اقرأ. قلت: ما أقرأ: قال: فغتني حتى ظننت أنه الموت. ثم أرسلني فقال: اقرأ. قال قلت: ماذا أقرأ؟ قال: ما أقول ذلك إلا افتداء منه أن يعود لي بمثل ما صنع بي. فقال: (اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم. الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم).. قال: فقرأتها. ثم انتهى فانصرف عني. وهببت من نومي فكأنما كتبت في قلبي كتابا. قال: فخرجت حتى إذا كنت في وسط من الجبل سمعت صوتا من السماء يقول: يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل. قال: فرفعت رأسي إلى السماء أنظر. فإذا جبريل في صورة رجل، صاف قدميه في أفق السماء يقول: يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل. قال: فوقفت أنظر إليه. فما أتقدم وما أتأخر. وجعلت أحول وجهي عنه في آفاق السماء. قال: فلا أنظر في ناحية منها إلا رأيته كذلك. فما زلت واقفا ما أتقدم أمامي وما أرجع ورائي، حتى بعثت خديجة رسلها في طلبي، فبلغوا أعلى مكة، ورجعوا إليها وأنا واقف في مكاني ذلك. ثم انصرف عني وانصرفت راجعا إلى أهلي، حتى أتيت خديجة، فجلست إلى فخذها مضيفا إليها [أي ملتصقا بها مائلا إليها] فقالت: يا أبا القاسم أين كنت؟ فوالله لقد بعثت في طلبك حتى بلغوا مكة ورجعوا إلي. ثم حدثتها بالذي رأيت فقالت: " أبشر يا بن عم واثبت. فوالذي نفس خديجة بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة "".

ثم فتر الوحي مدة عن النبي [صلى الله عليه وسلم] إلى أن كان بالجبل مرة أخرى فنظر فإذا جبريل، فأدركته منه رجفة، حتى جثى وهوى إلى الأرض، وانطلق إلى أهله يرجف، يقول: " زملوني. دثروني".. ففعلوا. وظل يرتجف مما به من الروع. وإذا جبريل يناديه: (يا أيها المزمل).. (وقيل: يا أيها المدثر) والله أعلم أيتهما كانت.

وسواء صحت الرواية الأولى عن سبب نزول شطر السورة. أو صحت هذه الرواية الثانية عن سبب نزول مطلعها، فقد علم رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أنه لم يعد هناك نوم! وأن هناك تكليفا ثقيلا، وجهادا طويلا، وأنه الصحو والكد والجهد منذ ذلك النداء الذي يلاحقه ولا يدعه ينام!

وقيل لرسول الله [صلى الله عليه وسلم] (قم).. فقام. وظل قائما بعدها أكثر من عشرين عاما! لم يسترح. ولم يسكن. ولم يعش لنفسه ولا لأهله. قام وظل قائما على دعوة الله. يحمل على عاتقه العبء الثقيل الباهظ ولا ينوء به. عبء الأمانة الكبرى في هذه الأرض. عبء البشرية كلها، وعبء العقيدة كلها، وعبء الكفاح والجهاد في ميادين شتى.

حمل عبء الكفاح والجهاد في ميدان الضمير البشري الغارق في أوهام الجاهلية وتصوراتها، المثقل بأثقال الأرض وجواذبها، المكبل بأوهاق الشهوات وأغلالها.. حتى إذا خلص هذا الضمير في بعض صحابته مما يثقله من ركام الجاهلية والحياة الأرضية بدأ معركة أخرى في ميدان آخر.. بل معارك متلاحقة.. مع أعداء دعوة الله المتألبين عليها وعلى المؤمنين بها، الحريصين على قتل هذه الغرسة الزكية في منبتها، قبل أن تنمو وتمد جذورها في التربة وفروعها في الفضاء، وتظلل مساحات أخرى.. ولم يكد يفرغ من معارك الجزيرة العربية حتى كانت الروم تعد لهذه الأمة الجديدة وتتهيأ للبطش بها على تخومها الشمالية.

وفي أثناء هذا كله لم تكن المعركة الأولى -معركة الضمير- قد انتهت. فهي معركة خالدة، الشيطان صاحبها؛ وهو لا يني لحظة عن مزاولة نشاطه في أعماق الضمير الإنساني.. ومحمد [صلى الله عليه وسلم] قائم على دعوة الله هناك. وعلى المعركة الدائبة في ميادينها المتفرقة. في شظف من العيش والدنيا مقبلة عليه. وفي جهد وكد والمؤمنون يستروحون من حوله ظلال الأمن والراحة. وفي نصب دائم لا ينقطع.. وفي صبر جميل على هذا كله. وفي قيام الليل. وفي عبادة لربه. وترتيل لقرآنه وتبتل إليه، كما أمره أن يفعل وهو يناديه: (يا أيها المزمل. قم الليل إلا قليلا. نصفه أو انقص منه قليلا، أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا. إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا. إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا. إن لك في النهار سبحا طويلا. واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا، رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا. واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا).

وهكذا قام محمد [صلى الله عليه وسلم] وهكذا عاش في المعركة الدائبة المستمرة أكثر من عشرين عاما. لا يلهيه شأن عن شأن في خلال هذا الأمد. منذ أن سمع النداء العلوي الجليل وتلقى منه التكليف الرهيب.. جزاه الله عنا وعن البشرية كلها خير الجزاء..

وشطر السورة الأول يمضي على إيقاع موسيقي واحد. ويكاد يكون على روي واحد. هو اللام المطلقة الممدودة. وهو إيقاع رخي وقور جليل؛ يتمشى مع جلال التكليف، وجدية الأمر، ومع الأهوال المتتابعة التي يعرضها السياق.. هول القول الثقيل الذي أسلفنا، وهول التهديد المروع: (وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا، إن لدينا أنكالا وجحيما، وطعاما ذا غصة وعذابا أليما).. وهول الموقف الذي يتجلى في مشاهد الكون وفي أغوار النفوس: (يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيبا مهيلا).. (فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا، السماء منفطر به، وكان وعده مفعولا).

فأما الآية الأخيرة الطويلة التي تمثل شطر السورة الثاني؛ فقد نزلت بعد عام من قيام الليل حتى ورمت أقدام الرسول [صلى الله عليه وسلم] وطائفة من الذين معه. والله يعده ويعدهم بهذا القيام لما يعدهم له! فنزل التخفيف، ومعه التطمين بأنه اختيار الله لهم وفق علمه وحكمته بأعبائهم وتكاليفهم التي قدرها في علمه عليهم.. أما هذه الآية فذات نسق خاص. فهي طويلة وموسيقاها متموجة عريضة، وفيها هدوء واستقرار، وقافية تناسب هذا الاستقرار: وهي الميم وقبلها مد الياء: (غفور رحيم).

والسورة بشطريها تعرض صفحة من تاريخ هذه الدعوة. تبدأ بالنداء العلوي الكريم بالتكليف العظيم. وتصور الإعداد له والتهيئة بقيام الليل، والصلاة، وترتيل القرآن، والذكر الخاشع المتبتل. والاتكال على الله وحده، والصبر على الأذى، والهجر الجميل للمكذبين، والتخلية بينهم وبين الجبار القهار صاحب الدعوة وصاحب المعركة!..

وتنتهي بلمسة الرفق والرحمة والتخفيف والتيسير. والتوجيه للطاعات والقربات، والتلويح برحمة الله ومغفرته: (إن الله غفور رحيم)..

وهي تمثل بشطريها صفحة من صفحات ذلك الجهد الكريم النبيل الذي بذله ذلك الرهط المختار من البشرية -البشرية الضالة، ليردها إلى ربها، ويصبر على أذاها، ويجاهد في ضمائرها؛ وهو متجرد من كل ما في الحياة من عرض يغري، ولذاذة تلهي، وراحة ينعم بها الخليون. ونوم يلتذه الفارغون!

والآن نستعرض السورة في نصها القرآني الجميل.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

ليس لهذه السورة إلا أسم {سورة المزمل} عرفت بالإضافة لهذا اللفظ الواقع في أولها، فيجوز أن يراد حكاية اللفظ، ويجوز أن يراد به النبي صلى الله عليه وسلم موصوفا بالحال الذي نودي به في قوله تعالى {يا أيها المزمل}.

قال ابن عطية: هي في قول الجمهور مكية إلا قوله تعالى {إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل} إلى نهاية السورة فذلك مدني. وحكى القرطبي مثل هذا عن الثعلبي.

وقال في الإتقان: إن استثناء قوله {إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل} إلى آخر السورة يرده ما أخرجه الحاكم عن عائشة نزل بعد نزول صدر السورة بسنة وذلك حين فرض قيام الليل في أول الإسلام قبل فرض الصلوات الخمس اه.

يعني وذلك كله بمكة، أي فتكون السورة كلها مكية فتعين أن قوله {قم الليل} أمر به في مكة.

والروايات تظاهرت على أن قوله {إن ربك يعلم أنك تقوم} إلى آخر السورة نزل مفصولا عن نزول ما قبله بمدة مختلف في قدرها، فقالت عائشة نزل بعد صدر السورة بسنة. ومثله روى الطبري عن ابن عباس، وقال الجمهور: نزل صدر السورة بمكة ونزل {إن ربك يعلم} إلى آخرها بالمدينة، أي بعد نزول أولها بسنين.

فالظاهر أن الأصح أن نزول {إن ربك يعلم} إلى آخر السورة نزل بالمدينة لقوله تعالى {وآخرون يقاتلون في سبيل الله} إن لم يكن ذلك إنباء بمغيب على وجه المعجزة.

وروى الطبري عن سعيد بن جبير قال لما أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم يا أيها المزمل مكث النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الحال عشر سنين يقوم الليل كما أمره الله وكانت طائفة من أصحابه يقومون معه فأنزل الله بعد عشر سنين {إن ربك يعلم أنك تقوم} إلى {وأقيموا الصلاة} اه، أي نزلت الآيات الأخيرة في المدينة بناء على أن مقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة كان عشر سنين وهو قول جم غفير.

أغراضها:

الإشعار بملاطفة الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بندائه بوصفه بصفة تزمله.

واشتملت على الأمر بقيام النبي صلى الله عليه وسلم غالب الليل والثناء على طائفة من المؤمنين حملوا أنفسهم على قيام الليل.

وعلى تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم بتحمل إبلاغ الوحي.

والأمر بإدامة إقامة الصلاة وأداء الزكاة وإعطاء الصدقات.

وأمره بالتمحض للقيام بما أمره الله من التبليغ وبأن يتوكل عليه.

وأمره بالإعراض عن تكذيب المشركين.

وتكفل الله له بالنصر عليهم وأن جزاءهم بيد الله.

والوعيد لهم بعذاب الآخرة.

ووعظهم مما حل بقوم فرعون لما كذبوا رسول الله إليهم.

وذكر يوم القيامة ووصف أهواله.

ونسخ قيام معظم الليل بالاكتفاء بقيام بعضه رعيا للأعذار الملازمة.

والوعد بالجزاء العظيم على أفعال الخيرات.

والمبادرة بالتوبة وأدمج في ذلك أدب قراءة القرآن وتدبره.

وأن أعمال النهار لا يغني عنها قيام الليل.

وفي هذه السورة مواضع عويصة وأساليب غامضة فعليك تدبرها.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

ويتلخص محتوى السورة في خمسة أقسام:

القسم الأوّل: الآيات الأُولى للسورة والتي تأمر النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بقيام الليل والصلاة فيه، ليستعد بذلك لنقل ما سيلقى عليه من القول الثقيل.

القسم الثّاني: يأمره (صلى الله عليه وآله وسلم) بالصبر والمقاومة ومداراة المخالفين.

القسم الثّالث: بحوث حول المعاد، وإرسال موسى بن عمران إلى فرعون وذكر عذابه الأليم.

القسم الرّابع: فيه تخفيف لما ورد في الآيات الأُولى من الأوامر الشديدة عن قيام الليل، وذلك بسبب محنة المسلمين والشدائد المحيطة بهم.

القسم الخامس: هو القسم الأخير من السورة يعود ليدعو إلى تلاوة القرآن وإقامة الصلاة وإيتاء الزّكاة، والإنفاق في سبيل اللّه والاستغفار.

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{يا أيها المزمل} يعني الذي ضم عليه ثيابه، يعني النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من البيت وقد لبس ثيابه، فناداه جبريل، عليه السلام: {يا أيها المزمل} الذي قد تزمل بالثياب، وقد ضمها عليه.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

"يأَيّها المُزّمّلُ" هو الملتفّ بثيابه. وإنما عني بذلك نبيّ الله صلى الله عليه وسلم. واختلف أهل التأويل في المعنى الذي وصف الله به نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية من التزمّل، فقال بعضهم: وصفه بأنه مُتَزمل في ثيابه، متأهب للصلاة... عن قتادة: "يَأَيّها المُزّمّلُ" هو الذي تزمّل بثيابه.

وقال آخرون: وصفه بأنه متزمّل النبوّة والرسالة.

والذي هو أولى القولين بتأويل ذلك، ما قاله قتادة، لأنه قد عقبه بقوله: "قُم اللّيْلَ" فكان ذلك بيانا عن أن وصفه بالتزمّل بالثياب للصلاة، وأن ذلك هو أظهر معنييه.

تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :

عن الضحاك في قوله: (يا أيها المزمل) يا أيها النائم.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

أمر بأن يختار على الهجود التهجد، وعلى التزمل التشمر، والتخفف للعبادة والمجاهدة في الله؛ لا جرم أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تشمر لذلك مع أصحابه حق التشمر، وأقبلوا على إحياء لياليهم، ورفضوا له الرقاد والدعة، وتجاهدوا فيه حتى انتفخت أقدامهم واصفرت ألوانهم، وظهرت السيمى في وجوههم وترامى أمرهم إلى حد رحمهم له ربهم. فخفف عنهم.

الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي 875 هـ :

...

...

...

...

...

...

...

والفائدة الثانية: التنبيهُ لكلِّ مُتَزَمِّلٍ راقدٍ ليلَه؛ لينتبهَ إلى قيامِ الليل وذكرِ اللَّه فيه، لأنَّ الاسْمَ المشتق من الفعلِ، يَشْتَرِكُ فيه معَ المخاطَب كلُّ مَنْ عَمِلَ بذلك العملِ، واتَّصَفَ بتلك الصفةِ.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما تقدم في آخر الجن من تعظيم الوحي وأن من تعظيمه حفظ المرسل به من جميع الآفات المفترة عن إبلاغه بما له سبحانه من إحاطة العلم والقدرة وندب نبيه الذي ارتقاه لرسالته والاطلاع على ما أراده من غيبه صلى الله عليه وسلم أول هذه إلى القيام بأعباء النبوة بالمناجاة بهذا الوحي في وقت الأنس والخلوة بالأحباب، والبسط والجلوة لمن دق الباب، للاعتلاء والمتاب، المهيئ لحمل أعباء الرسالة، والمقوي على أثقال المعالجة لأهل الضلالة، فقال معبراً بالأداة الصالحة للقرب والبعد المختصة بأنه لا يقال بعدها إلا الأمور التي هي في غاية العظمة، أشار إلى أنه صلى الله عليه وسلم يراد به غاية القرب بالأمور البعيدة عن تناول الخلق بكونها خوارق للعادات ونواقض للمألوفات المطردات، وأما التزمل فهو وإن كان من آلات ذلك إلا أنه من الأمور العادية، فهو دون ما يراد من التهيئة لذلك الاستعداد، وبالتزمل لكونه منافياً للقيام في الصلاة: {يا أيها المزمل} أي الذي أخفى شخصه وستر أمره وما أمرناه به -بما أشار إليه التزمل الذي مدلوله التلفف في الثوب على جميع البدن والاختفاء ولزوم مكان واحد، ولأنه يكون منطرحاً على الأرض... مع الإشارة إلى الإخفاء أيضاً بإدغام تاء التفعل، وربما أشار الإدغام إلى أن الستر بالثوب لم يعم جميع البدن، كما يأتي في المدثر على أن فيه مع ذلك إشارة إلى البشارة بالقوة على حمل أعباء ما يراد به، من قولهم: زمل الشيء- إذا رفعه وحمله، والازدمال: احتمال الشيء...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

(يا أيها المزمل. قم الليل إلا قليلا. نصفه أو انقص منه قليلا، أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا. إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا. إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا. إن لك في النهار سبحا طويلا، واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا. رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا)..

(يا أيها المزمل.. قم..).. إنها دعوة السماء، وصوت الكبير المتعال.. قم.. قم للأمر العظيم الذي ينتظرك، والعبء الثقيل المهيأ لك. قم للجهد والنصب والكد والتعب. قم فقد مضى وقت النوم والراحة.. قم فتهيأ لهذا الأمر واستعد..

وإنها لكلمة عظيمة رهيبة تنتزعه [صلى الله عليه وسلم] من دفء الفراش، في البيت الهادئ والحضن الدافئ. لتدفع به في الخضم، بين الزعازع والأنواء، وبين الشد والجذب في ضمائر الناس وفي واقع الحياة سواء.

إن الذي يعيش لنفسه قد يعيش مستريحا، ولكنه يعيش صغيرا ويموت صغيرا. فأما الكبير الذي يحمل هذا العبء الكبير.. فماله والنوم؟ وماله والراحة؟ وماله والفراش الدافئ، والعيش الهادئ؟ والمتاع المريح؟! ولقد عرف رسول الله [صلى الله عليه وسلم] حقيقة الأمر وقدره، فقال لخديجة -رضي الله عنها- وهي تدعوه أن يطمئن وينام: " مضى عهد النوم يا خديجة "! أجل مضى عهد النوم وما عاد منذ اليوم إلا السهر والتعب والجهاد الطويل الشاق!

(يا أيها المزمل. قم الليل إلا قليلا. نصفه أو انقص منه قليلا. أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا)..

إنه الإعداد للمهمة الكبرى بوسائل الإعداد الإلهية المضمونة.. قيام الليل. أكثره أكثر من نصف الليل ودون ثلثيه. وأقله ثلث الليل.. قيامه للصلاة وترتيل القرآن. وهو مد الصوت به وتجويده. بلا تغن ولا تطر ولا تخلع في التنغيم.

وقد صح عن وتر رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بالليل أنه لم يتجاوز إحدى عشرة ركعة. ولكنه كان يقضي في هذه الركعات ثلثي الليل إلا قليلا، يرتل فيه القرآن ترتيلا.

روى الإمام أحمد في مسنده قال: حدثنا يحيى بن سعيد -هو ابن أبي عروبة- عن قتادة، عن زرارة ابن أوفى، عن سعيد بن هشام.. أنه أتى ابن عباس فسأله عن الوتر فقال: ألا أنبئك بأعلم أهل الأرض بوتر رسول الله [صلى الله عليه وسلم]؟ قال: نعم. قال: ائت عائشة فسلها، ثم ارجع إلي فأخبرني بردها عليك... ثم يقول سعيد بن هشام: قلت: يا أم المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قالت: ألست تقرأ القرآن؟ قلت: بلى. قالت: فإن خلق رسول الله [صلى الله عليه وسلم] كان القرآن. فهممت أن أقوم، ثم بدا لي قيام رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قلت: يا أم المؤمنين، أنبئيني عن قيام رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قالت: ألست تقرأ هذه السورة: (يا أيها المزمل)؟ قلت: بلى. قالت: فإن الله افترض قيام الليل في أول هذه السورة؛ فقام رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأصحابه حولا حتى انتفخت أقدامهم. وأمسك الله ختامها في السماء اثني عشر شهرا. ثم أنزل التخفيف في آخر هذه السورة، فصار قيام الليل تطوعا من بعد فريضة.. فهممت أن أقوم، ثم بدا لي وتر رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقلت: يا أم المؤمنين أنبئيني عن وتر رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قالت: كنا نعد له سواكه وطهوره، فيبعثه الله كما شاء أن يبعثه من الليل، فيتسوك، ثم يتوضأ، ثم يصلي ثمان ركعات لا يجلس فيهن، إلا عند الثامنة، فيجلس ويذكر ربه تعالى ويدعو، ثم ينهض وما يسلم، ثم يقوم ليصلي التاسعة، ثم يقعد فيذكر الله وحده، ثم يدعوه، ثم يسلم تسليما يسمعنا. ثم يصلي ركعتين وهو جالس بعدما يسلم، فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني، فلما أسن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وأخذ اللحم أوتر بسبع ثم صلى ركعتين وهو جالس بعدما يسلم، فتلك تسع يا بني. وكان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إذا صلى صلاة أحب أن يداوم عليها. وكان إذا شغله عن قيام الليل نوم أو وجع أو مرض صلى من نهار اثنتي عشرة ركعة. ولا أعلم نبي الله [صلى الله عليه وسلم] قرأ القرآن كله في ليلة حتى أصبح، ولا صام شهرا كاملا غير رمضان... "

وكان هذا الإعداد للقول الثقيل الذي سينزله الله عليه..

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

افتتاح الكلام بالنداء إذا كان المخاطب واحداً ولم يكن بعيداً يدل على الاعتناء بما سيلقى إلى المخاطب من كلام.

والأصل في النداء أن يكون باسم المنادَى العلم إذا كان معروفاً عند المتكلم فلا يعدل من الاسم العلم إلى غيره من وصف أو إضافة إلاّ لغرض يقصده البلغاء من تعظيم وتكريم نحو {يا أيها النبي} [الأنفال: 65]، أو تلطف وتقرب نحو: يا بُنيِّ ويا أبتِ، أو قصد تهكم نحو: {وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون} [الحجر: 6] فإذا نودي المنادى بوصف هيئته من لِبسة أو جِلسة أو ضِجعة كان المقصود في الغالب التلطف به والتحبب إليه ولهيئته، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب وقد وجده مضطجعاً في المسجد وقد علق تراب المسجد بجنبه « قُم أَبا تراب» وقوله لحذيفة بن اليمان يوم الخندق « قم يا نَوْمانُ»، وقولِه لعَبْد الرحمان بن صخر الدوسي وقد رءاه حاملاً هِرّة صَغيرةً في كمه « يا أبا هُريرة».

فنداء النبي ب {يا أيها المزمل} نداء تلطف وارتفاق ومثله قوله تعالى: {يا أيها المدثر} [المدثر: 1].

وأصل التزمل مشتق من الزَّمْل بفتح فسكون وهو الإِخفاء.

وهذا التزمل الذي أشارت إليه الآية قال الزهري وجمهور المفسرين: إنه التزمل الذي جرى في قول النبي صلى الله عليه وسلم « زَمِّلُوني زَمِّلُوني» حين نزل من غار حراء بعد أن نزل عليه {اقرأ باسم ربك} [العلق: 1] الآيات كما في حديث عروة عن عائشة في كتاب بدء الوحي من « صحيح البخاري» وإن لم يذكر في ذلك الحديث نزول هذه السورة حينئذٍ، وعليه فهو حقيقة.

وقيل: هو ما في حديث جابر بن عبد الله قال: « لما اجتمعت قريش في دار الندوة فقالوا: سَمُّوا هذا الرجل اسماً تصدر الناس عنه (أي صِفوه وصفاً تتفق عليه الناس) فقالوا: كاهن، وقالوا: مجنون، وقالوا: ساحر، فصدر المشركون على وصفه ب (ساحر) فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فحزن وتزمل في ثيابه وتدثر، فأتاه جبريل فقال: {يا أيها المزمل} {يا أيها المدثر} [المدثر: 1].

وسيأتي في سورة المدثر أن سبب نزولها رؤيتُه المَلكَ جالساً على كرسي بين السماء والأرض فرجع إلى خديجة يرجف فؤاده فقال: « دثروني»، فيتعين أن سبب ندائه ب {يا أيها المزمل} كان عند قوله: « زَمِّلِوني»، فذلك عندما اغتمّ من وصف المشركين إياه بالجنون وأن ذلك غير سبب ندائه ب {يا أيها المدثر في سورة المدثر.

وقيل: هو تزمُّل للاستعداد للصلاة فنودي {يا أيها المزمل قم اللّيل إلاّ قليلاً} وهذا مروي عن قتادة. وقريب منه عن الضحاك وهي أقوال متقاربة.

ومحملها على أن التزمُّل حقيقة، وقال عكرمة: معناه زُمِّلْتَ هذا الأمر فقم به، يريد أمر النبوءة فيكون قوله: {الليل إلاّ قليلاً} مع قوله: {إن لك في النهار سبحاً طويلاً} [المزمل: 7] تحريضاً على استفراغ جهده في القيام بأمر التبليغ في جميع الأزمان من ليل ونهار إلاّ قليلاً من الليل وهو ما يضطر إليه من الهجوع فيه. ومحمل التزمل عنده على المجاز.

فإذا كانت سورة المزمل قد أنزلت قبل سورة المدثر كان ذلك دالاً على أن الله تعالى بعد أن ابتدأ رسوله بالوحي بصدر سورة {اقرأ باسم ربك} [العلق: 1] ثم أنزل عليه سورة القلم لدحض مقالة المشركين فيه التي دبرها الوليد بن المغيرة أن يقولوا: إنه مجنون.

أنزل عليه التلطف به على تزمله بثيابه لما اعتراه من الحزن من قول المشركين فأمره الله بأن يدفع ذلك عنه بقيام الليل، ثم فتر الوحي فلما رأى المَلَكَ الذي أرسل إليه بحِراء تدثر من شدة وقع تلك الرؤية فأنزل عليه {يا أيها المدثر}.

فنداء النبي بوصف {المزمل} باعتبار حالته وقت ندائه وَليس المزمل معدوداً من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال السهيلي: ولم يعرف به وذهب بعض الناس إلى عدّه من أسمائه.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} التزمّل هو التلفُّف بثوب في حالة النوم ونحوه، وهو كنايةٌ عن القعود والاسترخاء في أجواء الوضع الذاتي الذي يدفع الإنسان للاتقاء من الحر أو البرد، وللسكون في مواقعه حذراً مما قد يحدث له من مشاكل وأحداث. وقد جاء هذا النداء، وما يتبعه من الخطاب، في بداية الوحي للإيحاء للنبي (صلى الله عليه وسلم) بأن الوقت قد حان للانطلاق بعيداً عن مواقع الهدوء في الحركة أو الإخلاد للراحة، لأن الرسالة تفرض الدخول إلى ساحة المواجهة في خط الصراع مع المشركين.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

يشير سياق الآيات إلى دعوة الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) للاستقامة والاستعداد لقبول مهمّة كبيرة وثقيلة، وهذا لا يتمّ إلاّ بالبناء المسبق للذات، فيقول: (يا أيّها المزّمل، قم الليل إلاّ قليلاً، نصفه أو انقص منه قليلاً، أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً).

الطريف في هذه الآيات أنّ المخاطب هو الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولكن لا بعنوان يا أيّها الرّسول، أو يا أيّها النّبي، بل بعنوان يا أيّها المزمل، إشارة إلى إنّ هذا ليس زمان التزمل والانزواء، بل زمان القيام والبناء الذاتي والاستعداد لأداء الرسالة العظيمة، واختيار الليل لهذا العمل أوّلاً: لأنّ أعين الأعداء نائمة، وثانياً: تتعطل الأعمال المكاسب، ولهذا فإنّ الإنسان يستعد للتفكر ولتربية النفس.

وكذلك اختيار القرآن لأنّ يكون المادة الأُولى في البرنامج العبادي في الليل إنّما هو لاقتباس الدروس اللازمة في هذا الباب، وهو يعدّ من أفضل الوسائل لتقوية الإيمان والاستقامة والتقوى وتربية النفوس، والتعبير بالترتيل الذي يراد به التنظيم والترتيب الموزون هنا هو القراءة بالتأني والانتظام اللازم، والأداء الصحيح للحروف، وتبيّن الحروف، والدقّة والتأمل في مفاهيم الآيات، والتفكر في نتائجها.

وبديهي أنّ مثل هذه القراءة تعطي الإنسان الرّشد والنمو المعنوي السريع والشهامة الخلقية وتهب التقوى، وإذا فسّره البعض بالصلاة فذلك لأنّ أحد أجزاء الصلاة المهمّة هي قراءة القرآن.

عبارة «قم الليل» تعني النهوض في مقابل النوم، وليس الوقوف فحسب، وأمّا ما جاء من العبارات المختلفة في هذه الآيات حول مقدار إحياء الليل فهو في الحقيقة لتبيان التخيير، وأنّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مخيّر في الاستيقاظ في نصف الليل أو أقل من ذلك أو أكثر لقراءة القرآن، ففي المرحلة الأُولى يذكر الليل كلّه إلاّ قليلاً منه، ثمّ يخففه ليوصله إلى النصف، وبعدئذ إلى أقل من النصف.

وقيل: المراد هو التخيير بين الثلث الثّاني والنصف والثلث الأوّل، بقرينة الآية التي في آخر السورة: (إنّ ربّك يعلم أنّك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه) ويستفاد من هذه الآية أيضاً أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن وحده الذي يقوم الليل، بل معه عدّة من المؤمنين كانوا ملتزمين أيضاً بهذا النظام للبناء الذاتي والتربية والاستعداد متخذين النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أسوة لهم.