فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُزَّمِّلُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة المزمل

هي تسع عشرة آية ، وقيل عشرون آية وهي مكية . قال الماوردي : كلها في قول الحسن وعكرمة وجابر ، قال : وقال ابن عباس وقتادة : إلا آيتين منها { واصبر على ما يقولون } والتي تليها . وقال الثعلبي : إلا قوله : { إن ربك يعلم أنك تقوم } إلى آخر السورة ، فإنه نزل بالمدينة . وأخرج ابن الضريس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال : نزلت { يا أيها المزمل } بمكة . وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله . وأخرج النحاس عن ابن عباس قال : نزلت سورة المزمل بمكة إلا آيتين { إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى } . وأخرج البزار والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الدلائل عن جابر قال : اجتمعت قريش في دار الندوة ، فقالوا سموا هذا الرجل اسماً تصدون الناس عنه ، فقالوا كاهن ، قالوا ليس بكاهن ؛ قالوا مجنون ، قالوا ليس بمجنون ؛ قالوا سحار ، قالوا ليس بساحر ؛ فتفرق المشركون على ذلك . فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فتزمل في ثيابه وتدثر فيها ، فأتاه جبريل ، فقال : { يا أيها المزمل } { يا أيها المدثر } . قال البزار : بعد إخراجه من طريق معلى بن عبد الرحمن إن معلى قد حدّث عنه جماعة من أهل العلم واحتملوا حديثه ، لكنه إذا تفرّد بالأحاديث لا يتابع عليها . وأخرج أبو داود والبيهقي في السنن عن ابن عباس قال : «بت عند خالتي ميمونة ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ، فصلى ثلاث عشرة ركعة منها ركعتا الفجر ، فحزرت قيامه في كل ركعة بقدر يا أيها المزمل » .

قوله : { يأَيُّهَا المزمل } أصله المتزمل ، فأدغمت التاء في الزاي ، والتزمل : التلفف في الثوب . قرأ الجمهور { المزمل } بالإدغام . وقرأ أبيّ «المتزمل » على الأصل . وقرأ عكرمة بتخفيف الزاي ، ومثل هذه القراءة قول امرئ القيس :

كأن ثبيرا في أفانين وبله *** كبير أناس في لحاد مُزَمَّلِ

وهذا الخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم ، وقد اختلف في معناه ، فقال جماعة : إنه كان يتزمل صلى الله عليه وسلم بثيابه في أوّل ما جاءه جبريل بالوحي فرقاً منه حتى أنس به . وقيل المعنى : يا أيها المزمل بالنبوّة ، والملتزم للرسالة . وبهذا قال عكرمة وكان يقرأ : «يا أيها المزمل » بتخفيف الزاي وفتح الميم مشدّدة اسم مفعول . وقيل المعنى : يا أيها المزمل بالقرآن . وقال الضحاك : تزمل بثيابه لمنامه . وقيل : بلغه من المشركين سوء قول ، فتزمل في ثيابه وتدثر ، فنزلت : { يأَيُّهَا المزمل } و { يأَيُّهَا المدثر } [ المدثر : 1 ] . وقد ثبت أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما سمع صوت الملك ، ونظر إليه أخذته الرعدة ، فأتى أهله ، وقال : «زملوني دثروني » وكان خطابه صلى الله عليه وسلم بهذا الخطاب في أول نزول الوحي .

/خ18