{ ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب } تفسير هذه الآية يختلف على حسب الاختلاف في قصتها ، وفي ذلك أربعة أقوال :
الأول : أن سليمان كان له خاتم ملكه وكان فيه اسم الله ، فكان ينزعه إذا دخل الخلاء توقيرا لاسم الله تعالى ، فنزعه يوما ودفعه إلى جارية فتمثل لها جني في صورة سليمان وطلب منها الخاتم فدفعته له ، روي : أن اسمه صخر فقعد على كرسي سليمان يأمر وينهى والناس يظنون أنه سليمان ، وخرج سليمان فارا بنفسه فأصابه الجوع فطلب حوتا ففتح بطنه فوجد فيه خاتمه ، وكان الجني قد رماه في البحر فلبس سليمان الخاتم وعاد إلى ملكه . ففتنة سليمان على هذا هي ما جرى له من سلب ملكه ، والجسد الذي ألقي على كرسيه هو الجني الذي قعد عليه وسماه جسدا ، لأنه تصور في صورة إنسان ، ومعنى أناب رجع إلى الله بالاستغفار والدعاء أو رجع إلى ملكه . والقول الثاني : أن سليمان كان له امرأة يحبها وكان أبوها ملكا كافرا قد قتله سليمان فسألته أن يضع لها صورة أبيها فأطاعها في ذلك فكانت تسجد للصورة ويسجد معها جواريها وصار صنما معبودا في داره وسليمان لا يعلم حتى مضت أربعون يوما ، فلما علم به كسره فالفتنة على هذا عمل الصورة ، والجسد هو الصورة .
والقول الثالث : أن سليمان كان له ولدا وكان يحبه حبا شديدا فقالت الجن إن عاش هذا الولد ورث ملك أبيه فبقينا في السخرة أبدا فلم يشعر إلا وولده ميت على كرسيه فالفتنة على هذا حبه الولد ، والجسد هو الولد لما مات وسُمّي جسدا لأنه جسد بلا روح .
القول الرابع : أنه قال : " لأطوفن الليلة على مائة امرأة تأتي كل واحدة منهن بفارس يجاهد في سبيل الله " ، ولم يقل إن شاء الله ، فلم تحمل إلا واحدة جاءت بشق إنسان فالفتنة على هذا كونه لم يقل إن شاء الله ، والجسد هو شق الإنسان الذي ولد له .
فأما القول الأول : فضعيف من طريق النقل مع أنه يبعد ما ذكر فيه من سلب ملك سليمان وتسليط الشياطين عليه .
وأما القول الثاني : فضعيف أيضا مع أنه يبعد أنه يعبد صنم في بيت نبي ، أو يأمر نبي بعمل صنم .
وأما القول الثالث : فضعيف أيضا .
وأما القول الرابع : فقد روي في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنه لم يذكر في الحديث أن ذلك تفسير الآية
ولما ظهر بهذا ما له من ضخامة الملك وعز السلطان ، وكانت الأوبة عظيمة جداً ، وكان الثبات على مقام الشهود مع حفظه من جميع جهاته أعظم ، نبه عليه بقوله مؤكداً لما طبعت عليه النفوس من ظن أن الأواب لا ينبغي أن يواجه بالعتاب : { ولقد فتنا } أي بما لنا من العظمة { سليمان } أي مع إسراعه بالرجوع إلى الله والتنبه لما فيه رضاه نوعاً من الفتنة ، الله أعلم بحقيقتها ، فأسفرت تلك الفتنة عن رسوخه في مقام الأوبة فتنبه لما أردنا بها من تدريبه على ما أقمناه فيه كما فعلنا بأبيه داود عليهما السلام فاقتد بهما في الاستبصار بالبلاء ، فإنا نريد بك أمراً عظيماً جليلاً شريفاً كريماً { وألقينا } أي بما لنا من العظمة { على كرسيه } الذي كانت تهابه أسود الفيل .
ولما كانت العبرة إنما هي بالمعاني ، فمن كان معناه ناقصاً كان كأنه جسد لا روح فيه ، له صورة بلا معنى ، قال : { جسداً } فغلب على ذلك المكان الشريف مع ما كنا شرفناه به من هيبة النبوة المقرونة بالملك بحيث لم يكن أحد يظن أن أحداً يقدر على أن يدنو إليه فضلاً عن أن يغلب عليه ، فمكنا هذا الجسد منه تمكيناً لا كلفة عليه فيه ، بل كان ذلك بحيث كأنه ألقى عليه بغير اختياره ليعلم أن الملك إنما هو لنا ، نفعل ما نشاء بمن نشاء ، فالسعادة لمن رجانا والويل لمن يأمن مكرنا فلا يخشانا ، فعما قليل تصير هذه البلدة في قبضتك ، وأهلها مع العزة والشقاق طوع مشيئتك ويكون لك بذلك أمر لا يكون لأحد بعدك كما أنه ما كان لأحد كان قبلك من نفوذ الأمر وضخامة العز وإحلال الساحة الحرام بقدر الحاجة ، وسعة الملك وبقاء الذكر ، والذي أنت فيه الآن ابتلاء واختبار وتدريب على ما يأتي من الأمور الكبار .
ولما كان المراد بإطلاق الجسد عليه التعريف بأنه لا معنى له ، لا أنه لا روح فيه ، أطلقه ولم يتبعه ما يبين أنه جماد كما فعل في العجل حيث قال " له خوار " فبين بذلك أنه لا روح له ، وإن صح أن هذا الجسد هو صخر الجني وأن سببه سجود الجرادة امرأة سليمان عليه السلام لصورة أبيها بغير علم نبي الله سليمان عليه السلام ولا إرادته ، فالإشارة بذلك في التسلية أنا سلبنا الملك من صفينا لصورة رفع سجود بعض من ينسب إليه لها في بيته أمره ولا إرادته ولا علمه ، فكيف بمن يسجد لهذه الأوثان في البيت الحرام فعما قليل نزيل أمرهم ونخمد شرهم ونمحو ذكرهم .
ولما كانت الإنابة رجوعاً إلى ما كان ، فهي استرجاع لما فات قال : { ثم أناب * }
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.