التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي  
{لَوۡ كَانَ فِيهِمَآ ءَالِهَةٌ إِلَّا ٱللَّهُ لَفَسَدَتَاۚ فَسُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلۡعَرۡشِ عَمَّا يَصِفُونَ} (22)

{ لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } هذا برهان على وحدانية الله تعالى ، والضمير في قوله : { فيهما } للسموات والأرض ، وإلا الله صفة لآلهة ، وإلا بمعنى غير ، فاقتضى الكلام أمرين :

أحدهما : نفي كثرة الآلهة ، ووجوب أن يكون الإله واحدا .

والأمر الثاني : أن يكون ذلك الواحد هو الله دون غيره ، ودل على ذلك قوله : { إلا الله } ، وأما الأول فكانت الآية تدل عليه لو لم تذكر هذه الكلمة ، وقال كثير من الناس في معنى الآية : إنها دليل على التمانع الذي أورده الأصوليون ، وذلك أنا لو فرضنا إلهين فأراد أحدهما شيئا وأراد الآخر نقيضه .

فإما أن تنفذ إرادة كل واحد منهما وذلك محال لأن النقيضين لا يجتمعان .

وإما أن لا تنفذ إرادة واحد منهما ، وذلك أيضا محال ، لأن النقيضين لا يرتفعان معا ، ولأن ذلك يؤدي إلى عجزهما وقصورهما ، فلا يكونان إلهين .

وإما أن تنفذ إرادة واحد منهما دون الآخر ، فالذي تنفذ إرادته هو الإله ، والذي لا تنفذ إرادته ليس بإله ، فالإله واحد . وهذا الدليل إن سلمنا صحته فلفظ الآية لا يطابقه ، بل الظاهر من اللفظ استدلال آخر أصح من دليل التمانع ، وهو أنه { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } ، لما يحدث بينهما من الاختلاف والتنازع في التدبير وقصد المغالبة ، ألا ترى أنه لا يوجد ملكان اثنان لمدينة واحدة ، ولا وليان لخطة واحدة .