السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{لَوۡ كَانَ فِيهِمَآ ءَالِهَةٌ إِلَّا ٱللَّهُ لَفَسَدَتَاۚ فَسُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلۡعَرۡشِ عَمَّا يَصِفُونَ} (22)

ثم إنه سبحانه وتعالى أقام البرهان القطعي على نفي إله غيره ببرهان التمانع ، وهو أشدّ برهان لأهل الكلام ، فقال : { لو كان فيهما } أي : السماوات والأرض أي : في تدبيرهما { آلهة إلا الله } أي : غير الله تعالى { لفسدتا } أي : لخرجتا عن نظامهما المشاهد لوجود التمانع بينهم على وفق العادة عند تعدّد الحاكم ، وعن عبد الملك بن مروان حين قتل عمرو بن سعيد الأشدق كان والله أعز عليّ من دم ناظري ، ولكن لا يجتمع فحلان في شول ، وهذا ظاهر .

وأما طريقة التمانع فقال المتكلمون : القول بوجود إلهين مفضٍ إلى المحال لأنّا لو فرضنا وجود إلهين ، فلا بدّ أن يكون كل واحد منهما قادراً على كل المقدورات ، ولو كان كذلك لكان كل واحد منهما قادراً على تحريك زيد وتسكينه ، ولو فرضنا أنّ أحدهما أراد تحريكه والآخر أراد تسكينه ، فإمّا أن يقع المرادان وهو محال لاستحالة الجمع بين الضدّين ، أو لا يقع واحد منهما ، وهو محال ؛ لأنّ المانع من وجود مراد كل واحد منهما مراد الآخر ، فلا يمتنع مراد هذا إلا عند وجود مراد ذلك وبالعكس ، أو يقع مراد أحدهما دون الآخر ، وذلك أيضاً محال ؛ لأنّ الذي وقع مراده يكون قادراً ، والذي لم يقع مراده يكون عاجزاً ، والعجز نقص ، وهو على الإله محال ، فثبت أن الفساد لازم على كل التقديرات ، وإذا وقفت على حقيقة هذه الدلالة عرفت أنّ جميع ما في العالم العلوي والسفلي من المخلوقات دليل على أنّ وحدانية الله تعالى والدلائل السمعية على الوحدانية كثيرة في القرآن ، ولما أفاد هذا الدليل أنه لا يجوز أن يكون المدبر للسموات والأرض إلا واحداً ، وأن ذلك الواحد لا يكون إلا الله تعالى قال : { فسبحان الله } أي : فتسبب عن ذلك تنزه المتصف بصفات الكمال { ربّ } أي : خالق { العرش } أي : الكرسي المحيط بجميع الأجسام الذي هو محل التدابير ، ومنشأ التقادير { عما يصفون } أي : الكفار الله به من الشريك له وغيره .