البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{لَوۡ كَانَ فِيهِمَآ ءَالِهَةٌ إِلَّا ٱللَّهُ لَفَسَدَتَاۚ فَسُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلۡعَرۡشِ عَمَّا يَصِفُونَ} (22)

والضمير في { فيهما } عائد على السماء والأرض وهما كناية عن العالم .

و { إلا } صفة لآلهة أي آلهة غير { الله } وكون { إلا } يوصف بها معهود في لسان العرب ومن ذلك ما أنشد سيبويه رحمه الله :

وكل أخ مفارقه أخوه *** لعمر أبيك إلا الفرقدان

قال الزمخشري : فإن قلت : ما منعك من الرفع على البدل ؟ قلت : لأن لو بمنزلة إن في أن الكلام معه موجب والبدل لا يسوغ إلا في الكلام غير الموجب ، كقوله { ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك } وذلك لأن أعم العام يصح نفيه ولا يصح إيجابه ، والمعنى لو كان يتولاهما ويدبر أمرهما آلهة شتى غير الواحد الذي هو فاطرهما { لفسدتا } وفيه دلالة على أمرين أحدهما : وجوب أن لا يكون مدبرهما إلاّ واحداً ، والثاني أن لا يكون ذلك الواحد إلاّ إياه وحده كقوله { إلا الله } .

فإن قلت : لم وجب الأمران قلت : لعلمنا أن الرعية تفسد بتدبير الملكين لما يحدث بينهما من التغالب والتناكر والاختلاف .

وعن عبد الملك بن مروان حين قتل عمرو بن سعيد الأشدق كان والله أعز عليّ من دم ناظري ولكن لا يجتمع فحلان في شول وهذا ظاهر .

وأما طريقة التمانع فللمتكلمين فيها تجادل وطراد ولأن هذه الأفعال محتاجة إلى تلك الذات المتميزة بتلك الصفات حتى تثبت وتستقر .

وقال ابن عطية : وذلك بأنه كان يبغي بعضهم على بعض ويذهب بما خلق ، واقتضاب القول في هذا أن الهين لو فرضنا بينهما الاختلاف في تحريك جسم ولا تحريكه فمحال أن تتم الإرادتان ، ومحال أن لا تتم جميعاً ، وإذا تمت الواحدة كان صاحب الأخرى عاجزاً وهذا ليس بإله ، وجواز الاختلاف عليهما بمنزلة وقوعه منهما ، ونظر آخر وذلك أن كل جزء يخرج من العدم إلى الوجود فمحال أن تتعلق به قدرتان ، فإذا كانت قدرة أحدهما توجده ففي الآخر فضلاً لا معنى له في ذلك الجزء ثم يتمادى النظر هكذا جزأ جزأ .

وقال أبو عبد الله الرازي : لو فرضنا موجودين واجبيَ الوجود لذاتهما فلا بد أن يشتركا في الوجود ولا بد أن يمتاز كل واحد منهما عن الآخر بمعيته وما به المشاركة غير ما به الممايزة ، فيكون كل واحد مشاركاً للآخر وكل مركب فهو مفتقر إلى آخر ممكن لذاته ، فإذا واجب الوجود ليس إلاّ واحداً فكل ما عدا هذا فهو محدث ، ويمكن جعل هذا تفسيراً لهذه الآية لأنا لما دللنا على أنه يلزم من فرض موجودين واجبين أن لا يكون شيء منهما واجباً ، وإذا لم يوجد الواجب لم يوجد شيء من هذه الممكنات ، فحينئذ يلزم الفساد في كل العالم .

وقال أبو البقاء : لا يجوز أن يكون بدلاً لأن المعنى يصير إلى قولك { لو كان فيهما } { إلا الله لفسدتا } ألا ترى أنك لو قلت : ما جاءني قومك إلاّ زيد على البدل لكان المعنى جاءني زيد وحده .

وقيل : يمتنع البدل لأن ما قبله إيجاب ولا يجوز النصب على الاسثناء لوجهين ، أحدهما أنه فاسد في المعنى وذلك أنك إذا قلت : لو جاءني القوم إلاّ زيداً لقتلتهم كان معناه أن القتل امتنع لكون زيد مع القوم ، فلو نصب في الآية لكان المعنى فساد السموات والأرض امتنع لوجود الله مع الآلهة ، وفي ذلك إثبات الإله مع الله ، وإذا رفعت على الوصف لا يلزم مثل ذلك لأن المعنى { لو كان فيهما } غير { الله لفسدتا } .

والوجه الثاني أن { آلهة } هنا نكرة ، والجمع إذا كان نكرة لم يستثن منه عند جماعة من المحققين لأنه لا عموم له بحيث يدخل فيه المستثنى لولا الاستثناء انتهى .

وأجاز أبو العباس المبرد في { إلاّ الله } أن يكون بدلاً لأن ما بعد لو غير موجب في المعنى ، والبدل في غير الواجب أحسن من الوصف .

وقد أمعنّا الكلام على هذه المسألة في شرح التسهيل .

وقال الأستاذ أبو عليّ الشلوبين في مسألة سيبويه : لو كان معنا رجل إلاّ زيد لغلبنا أن المعنى لو كان معنا رجل مكان زيد لغلبنا فإلاّ بمعنى غير التي بمعنى مكان .

وقال شيخنا الأستاذ أبو الحسن بن الصائغ : لا يصح المعنى عندي إلاّ أن تكون { إلاّ } في معنى غير الذي يراد بها البدل أي { لو كان فيهما آلهة } عوض واحد أي بدل الواحد الذي هو { الله لفسدتا } وهذا المعنى أراد سيبويه في المسألة التي جاء بها توطئة انتهى .

ولما أقام البرهان على وحدانيته وانفراده بالألوهية نزه نفسه عما وصفه به أهل الجهل بقوله { فسبحان الله } ثم وصف نفسه بأنه مالك هذا المخلوق العظيم الذي جميع العالم هو متضمنهم .