فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لَوۡ كَانَ فِيهِمَآ ءَالِهَةٌ إِلَّا ٱللَّهُ لَفَسَدَتَاۚ فَسُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلۡعَرۡشِ عَمَّا يَصِفُونَ} (22)

{ لو كان فيهما آلهة إلا الله } أي لو كان في السماوات والأرض آلهة معبودون غير الله ، والجمع ليس قيدا وإنما عبر به مشاكلة لقوله { أم اتخذوا آلهة } وكذلك قوله فيهما ليس قيدا وإنما عبر به لأن هذا دليل إقناعي بحسب ما يفهمه المخاطب وبحسب ما فرط منهم ، وهم إنما اتخذوا آلهة في الأرض والسماء لا فيما وراءهما كالملائكة الحافين من حول العرش ، قاله الحفناوي ، والصحيح : أن الآية حجة قطعية الدلالة والقول بأنها حجة إقناعية قول منكر بشع أي إنكار وإبشاع .

{ لفسدتا } أي لبطلتا يعني : السموات والأرض بما فيهما من المخلوقات ، وخرجتا عن نظامهما المشاهد وهلك من فيهما لوجود التمانع من الآلهة على العادة عند تعدد الحاكم من التمانع في الشيء وعدم الاتفاق عليه لأن كل أمر صدر عن الاثنين فأكثر لم يجر على النظام ، ويدل العقل على ذلك ، وذلك أن لو قدرنا إلهين لكان أحدهما إذا انفرد صح منه تحريك الجسم وإذا انفرد الثاني صح منه تسكينه فإذا اجتمعا وجب أن يبقيا على ما كانا عليه حال الانفراد ، فعند الاجتماع يصح أن يحاول أحدهما التحريك ، والآخر التسكين ، فإما أن يحصل المراد وهو محال وإما أن يمتنعا وهو أيضا محال لأنه يكون كل واحد منهما عاجزا فثبت أن القول بوجود إلهين يوجب الفساد فكان القول به باطلا ، قاله الكرخي .

أقول الأدلة القرآنية والحجج الفرقانية الدالة على توحيد الله تعالى تغني عن البراهين الكلامية والمسائل العقلية الفلسفية في هذا المرام ، وليس وراء بيان الله بيان ودونه خرط القتاد .

قال الرازي : القول بوجود إلهين يفضي إلى المحال ثم ذكر دلائل ذلك وهذه حجة تامة في مسألة التوحيد ، والفساد لازم على كل التقديرات التي قدروها ، وإذا وقفت على هذه عرفت أن الجميع ما في العالم العلوي والسفلي من المحدثات والمخلوقات فهو دليل على وحدانية الله تعالى .

وأما الدلائل السمعية على الوحدانية فكثيرة في القرآن وكل من طعن في دلالة التمانع فسر الآية بأن المراد لو كان في السماء والأرض آلهة يقول بإلهيتها عبدة الأصنام لزم فساد العالم ، لأنها جمادات لا تقدر على تدبير العالم فلزم إفساد العالم ، قالوا : وهذا أولى ؛ لأنه تعالى حكى عنهم في قوله : { أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون } ثم ذكر الدلالة على فساد هذا فوجب أن يختص الدليل به .

قال علي القاري : وأما قول التفتازاني : الآية حجة إقناعية فالمحققون كالغزالي وابن الهمام ، ما قنعوا بالإقناعية بل جعلوها من الحقائق القطعية ، بل قيل يكفر قائلها . انتهى .

قال الكسائي وسيبويه والأخفش والزجاج وجمهور النحاة إن { إلا } هنا ليست للاستثناء بل بمعنى غير صفة للآلهة ، ولذلك ارتفع الاسم الذي بعدها ، وظهر فيه إعراب غير التي جاءت إلا بمعناها ، وقال الفراء : إن { إلا } هنا بمعنى سوى ، ووجه الفساد أن كون إله آخر مع الله يستلزم أن يكون كل واحد منهما قادرا على الاستبداد بالتصرف ؛ فيقع عند ذلك التنازع والاختلاف ، ويحدث بسببه الفساد .

{ فسبحان الله رب العرش عما يصفون } الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها من ثبوت الوحدانية بالبرهان أي تنزه عز وجل عما لا يليق به من ثبوت الشريك له وفي إرشاد للعباد أن ينزهوا الرب سبحانه عما لا يليق به