تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي  
{لَوۡ كَانَ فِيهِمَآ ءَالِهَةٌ إِلَّا ٱللَّهُ لَفَسَدَتَاۚ فَسُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلۡعَرۡشِ عَمَّا يَصِفُونَ} (22)

وهذا من عدم توفيقه ، وسوء حظه ، وتوفر جهله ، وشدة ظلمه ، فإنه لا يصلح الوجود ، إلا على إله واحد ، كما أنه لم يوجد ، إلا برب واحد .

ولهذا قال : { لَوْ كَانَ فِيهِمَا ْ } أي : في السماوات والأرض { آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ْ } في ذاتهما ، وفسد من فيهما من المخلوقات .

وبيان ذلك : أن العالم العلوي والسفلي ، على ما يرى ، في أكمل ما يكون من الصلاح والانتظام ، الذي ما فيه خلل ولا عيب ، ولا ممانعة ، ولا معارضة ، فدل ذلك ، على أن مدبره واحد ، وربه واحد ، وإلهه واحد ، فلو كان له مدبران وربان أو أكثر من ذلك ، لاختل نظامه ، وتقوضت أركانه فإنهما يتمانعان ويتعارضان ، وإذا أراد أحدهما تدبير شيء ، وأراد الآخر عدمه ، فإنه محال وجود مرادهما معا ، ووجود مراد أحدهما دون الآخر ، يدل على عجز الآخر ، وعدم اقتداره واتفاقهما على مراد واحد في جميع الأمور ، غير ممكن ، فإذًا يتعين أن القاهر الذي يوجد مراده وحده ، من غير ممانع ولا مدافع ، هو الله الواحد القهار ، ولهذا ذكر الله دليل التمانع في قوله : { مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ْ }

ومنه - على أحد التأويلين - قوله تعالى : { قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا* سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا ْ } ولهذا قال هنا : { فَسُبْحَانَ اللَّهِ ْ } أي : تنزه وتقدس عن كل نقص لكماله وحده ، { رَبُّ الْعَرْشِ ْ } الذي هو سقف المخلوقات وأوسعها ، وأعظمها ، فربوبية{[526]}  ما دونه من باب أولى ، { عَمَّا يَصِفُونَ ْ } أي : الجاحدون الكافرون ، من اتخاذ الولد والصاحبة ، وأن يكون له شريك بوجه من الوجوه .


[526]:- في النسختين: فربوبيته.