التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي  
{وَقَالُواْ لَوۡلَا نُزِّلَ عَلَيۡهِ ءَايَةٞ مِّن رَّبِّهِۦۚ قُلۡ إِنَّ ٱللَّهَ قَادِرٌ عَلَىٰٓ أَن يُنَزِّلَ ءَايَةٗ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (37)

{ وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه } الضمير في { قالوا } للكفار ، و{ لولا } عرض ، والمعنى : أنهم طلبوا أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم بآية على نبوته .

فإن قيل : فقد أتى بآية ، ومعجزاته كثيرة ، فلم طلبوا آية ؟ فالجواب من وجهين : أحدهما : أنهم لم يعتدوا بما أتى به : وكأنه لم يأت بشيء عندهم لعنادهم وجحدهم .

والآخر : أنهم إنما طلبوا آية تضطرهم إلى الإيمان من غير نظر ولا تفكر . { قل إن الله قادر على أن ينزل آية } جواب على قولهم ، وقد حكى هذا القول عنهم في مواضع من القرآن وأجيب عليه بأجوبة مختلفة :

منها : ما يقتضي الرد عليهم في طلبهم الآيات فإنه قد أتاهم بآيات وتحصيل الحاصل لا ينبغي كقوله : { قد بينا الآيات } [ آل عمران : 118 ] ، وكقوله : { أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم } [ العنكبوت : 51 ] .

ومنها : ما يقتضي الإعراض عنهم ، لأن الخصم إذا تبين عناده سقطت مكالمته ، ويحتمل أن يكون من هذا قوله : { إن الله قادر على أن ينزل آية } .

ويحتمل أيضا : أن يكون معناه قادر على أن ينزل آية تضطرهم إلى الإيمان . { ولكن أكثرهم لا يعلمون } حذف مفعول { يعلمون } ، وهو يحتمل وجهين ، أحدهما : لا يعلمون أن الله قادر ،

والآخر : لا يعلمون أن الله إنما منع الآيات التي تضطرهم إلى الإيمان لمصالح العباد ، فإنهم لو رأوها ولم يؤمنوا لعوقبوا بالعذاب .