التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{وَقَالُواْ لَوۡلَا نُزِّلَ عَلَيۡهِ ءَايَةٞ مِّن رَّبِّهِۦۚ قُلۡ إِنَّ ٱللَّهَ قَادِرٌ عَلَىٰٓ أَن يُنَزِّلَ ءَايَةٗ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (37)

ثم حكى - سبحانه - بعض الشبهات التى تذرع بها المشركون تعنتا ، ورد عليها بما يخرس ألسنتهم ، وبما يؤكد قدرته النافذة وعلمه المحيط فقال - تعالى - : { وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ . . . } .

و { لَوْلاَ } هنا تحضيضية بمعنى هلا ، والمعنى : وقال أولئك الكافرون : هلا نزل عليك يا محمد معجزة حسية كتفجير الأنهار ، وفلق البحر ، ونزول الملائكة معك . . . إلخ .

فهذه الآيات الكريمة تحكى عنهم أنهم لم يكتفوا بالقرآن معجزة خالدة للنبى صلى الله عليه وسلم وإنما يريدون معجزات حسية من جنس معجزات الأنبياء السابقين .

وإنما قالوا ذلك مع تكاثر ما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الآيات ، لتركهم الاعتداد بما أنزل عليه ، حتى لكأنه لم ينزل عليه شىء عنادا وجحودا منهم .

وفى قولهم - كما حكى القرآن عنهم - { لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ } ببناء الفعل للمجهول وذكر لفظ الرب ، للإشارة إلى أنهم لا يوجهون الطلب إلى النبى صلى الله عليه وسلم وإنما يوجهونه إلى الله تعالى ، لأنه إذا كان رسولا من عنده ، فليجب له هذا الطلب الذى نتمناه ونكون من بعده مؤمنين .

وقد رد الله - تعالى - عليهم بقوله : { قُلْ إِنَّ الله قَادِرٌ على أَن يُنَزِّلٍ آيَةً ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } .

أى : قل لهم أيها الرسول الكريم على سبيل التوبيخ والتقريع إن الله - تعالى - قادر على تنزيل ما اقترحوا من آيات ، لأنه - سبحانه - لا يعجزه شىء ، ولكنه - سبحانه - ينزل ما تقتضيه حكمته ، إلا أنهم لجهلهم وعنادهم لا يعلمون شيئاً من حكم الله فى أفعاله ، ولا من سننه فى خلقه .

وقوله - تعالى : { ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } يفيد أنهم لا يؤمنون حتى ولو جاءتهم الآيات التى اقترحوها ، لأن عدم إيمانهم ليس عن نقص فى الدليل ولكنه عن تكبر وجحود .