تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱسۡتَفۡتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٖ} (15)

وقوله : { واستفتحوا } أي : استنصرت الرسل ربها على قومها . قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة .

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : استفتحت الأمم على أنفسها ، كما قالوا : { اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [ الأنفال : 32 ] .

ويحتمل أن يكون هذا مرادًا وهذا مرادًا ، كما أنهم استفتحوا على أنفسهم يوم بدر ، واستفتح رسول الله واستنصر ، وقال الله تعالى للمشركين : { إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ } الآية [ الأنفال : 19 ] ، والله أعلم .

{ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } أي : متجبر في نفسه معاند للحق ، كما قال تعالى : { أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ } [ ق : 24 - 26 ] .

وفي الحديث : " إنه يؤتى بجهنم يوم القيامة ، فتنادي الخلائق فتقول : إني وُكلت بكل جبار عنيد " الحديث{[15782]} .

خاب وخسر حين اجتهد الأنبياء في الابتهال إلى ربها العزيز المقتدر .


[15782]:- رواه أحمد في المسند (3/40) من حديث أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ، ورواه الترمذي في السنن برقم (2574) من طريق الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، وقال الترمذي : "حديث حسن غريب صحيح".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱسۡتَفۡتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٖ} (15)

جملة { واستفتحوا } يجوز أن تكون معطوفة على جملة { فأوحى إليهم ربهم } ، أو معترضة بين جملة { ولنسكننكم الأرض من بعدهم } وبين جملة { وخاب كل جبار عنيد } . والمعنى : أنهم استعجلوا النصر . وضمير { استفتحوا } عائد إلى الرسل ، ويكون جملة { وخاب كل جبار عنيد } عطفاً على جملة { فأوحى إليهم ربهم } الخ ، أي فوعدهم الله النصر وخاب الذين كفروا ، أي لم يتحقق توعدهم الرسل بقولهم : { لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا } . ومقتضى الظاهر أن يقال : وخاب الذين كفروا ، فعدل عنه إلى { كل جبار عنيد } للتنبيه على أن الذين كفروا كانوا جبابرة عنداء وأن كل جبار عنيد يخيب .

ويجوز أن تكون جملة { استفتحوا } عطفاً على جملة { وقال الذين كفروا لرسلهم } ويكون ضمير { استفتحوا } عائداً على الذين { كفروا } ، أي وطلبوا النصر على رسلهم فخابوا في ذلك . ولكون في قوله : { وخاب كل جبار عنيد } إظهار في مقام الإضمار عدل عن أن يقال : وخابوا ، إلى قوله : { كل جبار عنيد } لمثل الوجه الذي ذكر آنفاً .

والاستفتاح : طلب الفتح وهو النصر ، قال تعالى : { إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح } [ سورة الأنفال : 19 ] .

والجبار : المتعاظم الشديد التكبر .

والعنيد المعاند للحق . وتقدماً في قوله : { واتبعوا أمر كل جبار عنيد } في سورة هود ( 59 ) . والمراد بهم المشركون المتعاظمون ، فوصف جبار } خلُق نفساني ، ووصف { عنيد } من أثر وصف { جبار } لأن العنيد المكابر المعارض للحجة .

وبين { خاف وعيد } و { خاب كل جبار عنيد } جناس مصحف .