البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَٱسۡتَفۡتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٖ} (15)

والظاهر أن الضمير في واستفتحوا عائد على الأنبياء : أي استنصروا الله على أعدائهم كقوله : { إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح } ويجوز أن يكون الفتاحة وهي الحكومة ، أي : استحكموا الله طلبوا منه القضاء بينهم .

واستنصار الرسل في القرآن كثير كقول نوح : { فافتح بيني وبينهم فتحاً ونجني } وقول لوط : { رب نجني وأهلي مما يعملون } وقول شعيب : { ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق } وقول موسى : { ربنا إنك آتيت فرعون } الآية .

وقول ابن زيد : الضمير عائد على الكفار أي : واستفتح الكفار على نحو ما قالت قريش : { عجِّل لنا قطنا } وقول أبي جهل : اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا يعرف فاحنه الغداة .

وكأنهم لما قوي تكذيبهم وأذاهم ولم يعاجلوا بالعقوبة ، ظنوا أن ما جاؤوا به باطل فاستفتحوا على سبيل التهكم والاستهزاء كقول قوم نوح : { فأتنا بما تعدنا } وقوم شعيب : { فأسقط علينا كسفاً } وعاد : { وما نحن بمعذبين } وبعض قريش : { فأمطر علينا حجارة } وقيل : الضمير عائد على الفريقين : الأنبياء ، ومكذبيهم ، لأنهم كانوا كلهم سألوا أن ينصر المحق ويبطل المبطل .

ويقوي عود الضمير على الرسل خاصة قراءة ابن عباس ، ومجاهد ، وابن محيصن : واستفتحوا بكسر التاء ، أمراً للرسل معطوفاً على ليهلكن أي : أوحى إليهم ربهم وقال لهم : ليهلكن ، وقال لهم : استفتحوا أي : اطلبوا النصر وسلوه من ربكم .

وقال الزمخشري : ويحتمل أن يكون أهل مكة قد استفتحوا أي استمطروا ، والفتح المطر في سني القحط التي أرسلت عليهم بدعوة الرسول فلم يسقوا ، فذكر سبحانه ذلك ، وأنه خيّب رجاء كل جبار عنيد ، وأنه يسقى في جهنم بدل سقياه ماء آخر وهو صديد أهل النار .

واستفتحوا على هذا التفسير كلام مستأنف منقطع عن حديث الرسل وأممهم انتهى .

وخاب معطوف على محذوف تقديره : فنصروا وظفروا .

وخاب كل جبار عنيد وهم قوم الرسل ، وتقدم شرح جبار .

والعنيد : المعاند كالخليط بمعنى المخالط على قول من جعل الضمير عائداً على الكفار ، كأن وخاب عطفاً على واستفتحوا .