قوله تعالى : " واستفتحوا " أي واستنصروا ، أي أذن للرسل في الاستفتاح على قومهم ، والدعاء بهلاكهم ، قاله ابن عباس وغيره ، وقد مضى في " البقرة " {[9466]} . ومنه الحديث : إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستفتح بصعاليك المهاجرين ، أي يستنصر . وقال ابن زيد : استفتحت الأمم بالدعاء كما قالت قريش : " اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك{[9467]} " [ الأنفال : 32 ] الآية . وروي عن ابن عباس . وقيل قال الرسول : ( إنهم كذبوني فافتح بيني وبينهم فتحا ) وقالت الأمم : إن كان هؤلاء صادقين فعذبنا ، عن ابن عباس أيضا ، نظيره " ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين{[9468]} " [ العنكبوت : 29 ] " ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين{[9469]} " [ الأعراف : 77 ] . " وخاب كل جبار عنيد " الجبار المتكبر الذي لا يري لأحد عليه حقا ، هكذا هو عند أهل اللغة ، ذكره النحاس . والعنيد المعاند للحق والمجانب له ، عن ابن عباس وغيره ، يقال : عند عن قومه أي تباعد عنهم . وقيل : هو من العند ، وهو الناحية وعاند فلان أي أخذ في ناحية معرضا ، قال الشاعر :
إذا نزلتُ فاجعلوني وَسَطًا*** إني كبيرٌ لا أطيقُ العُنَّدَا
وقال الهروي : قوله تعالى : " جبار عنيد " أي جائر عن القصد ، وهو العنود والعنيد والعاند ، وفي حديث ابن عباس وسئل عن المستحاضة فقال : إنه عرق عاند . قال أبو عبيد : هو الذي عند وبغى كالإنسان يعاند ، فهذا العرق في كثرة ما يخرج منه بمنزلته . وقال شمر : العاند الذي لا يرقأ . وقال عمر يذكر سيرته : أضُمُّ العَنُودَ ، قال الليث : العنود من الإبل الذي لا يخالطها إنما هو في ناحية أبدا ، أراد من هم بالخلاف أو بمفارقة الجماعة عطفت به إليها . وقال مقاتل : العنيد المتكبر . وقال ابن كيسان : هو الشامخ بأنفه . وقيل : العنود والعنيد الذي يتكبر على الرسل وبذهب عن طريق الحق فلا يسلكها ، تقول العرب : شر الإبل العنود الذي يخرج عن الطريق . وقيل : العنيد العاصي . وقال قتادة : العنيد الذي أبي أن يقول لا إله إلا الله .
قلت : والجبار والعنيد في الآية بمعنى واحد ، وإن كان اللفظ مختلفا ، وكل متباعد عن الحق جبار وعنيد أي متكبر . وقيل : إن المراد به في الآية أبو جهل ، ذكره المهدوي . وحكى الماوردي في كتاب " أدب الدنيا والدين " أن الوليد بن يزيد بن عبد الملك تفاءل يوما في المصحف فخرج له قوله عز وجل : " واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد " فمزق المصحف وأنشأ يقول :
أتُوعِدُ كلَّ جبار عنيد *** فها أنا ذاك جبارٌ عنيدُ
إذا ما جئت ربك يوم حَشْرٍ*** فقل يا رب مَزَّقَنِي الوَلِيدُ
فلم يلبث إلا{[9470]} أياما حتى قتل شر قتلة ، وصلب رأسه على قصره ، ثم على سور بلده .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.