الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَٱسۡتَفۡتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٖ} (15)

قوله تعالى : { وَاسْتَفْتَحُواْ } : العامَّةُ على " استفتحوا " فعلاً ماضياً ، وفي ضميرِه أقوالٌ ، أحدُها : أنه عائدٌ على الرسلِ الكرام ، ومعنى الاستفتاحِ : الاستنصارُ : { إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ الْفَتْحُ } [ الأنفال : 19 ] . وقيل : طَلَبُ الحكم من الفُتاحة . الثاني : أن يعودَ على الكفَّار ، أي : استفتح أُمَمُ الرسلِ عليهم ، كقولِه : { فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَآءِ } [ الأنفال : 32 ] . وقيل : عائدٌ على الفريقين لأنَّ كُلاًّ طلبَ النصرَ على صاحبِه . وقيل : يعودُ على قريشٍ لأنهم في سِنِي الجَدْبِ اسْتَمْطَرُوْا فلم يُمْطِروا ، وهو على هذا مستأنفٌ ، وأمَّا على غيرِه من الأقوال فهو عطفٌ على قولِه { فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ } .

وقرأ ابنُ/ عباسٍ ومجاهدٌ وابنُ محيصن " واسْتَفْتِحوا " على لفظِ الأمر ، أمراً للرسل بطلبِ النُّصرة ، وهي مقوِّيةٌ لعَوْدَهِ في المشهورةِ على الرسل . والتقدير : قال لهم : لنهلكنَّ وقال لهم : اسْتَفْتِحُوا .

قوله : " وخابَ " هو في قراءةِ العامَّةِ عطفٌ على محذوفٍ تقديرُه : انتَصروا وظَفِرُوا وخاب . ويجوز أن يكونَ عطفاً على " اسْتَفْتحوا " على انَّ الضميرَ فيه للكفار . وفي غيرها على القولِ المحذوف ، وقد تقدَّم أنه يُعْطَفُ الطلبُ على الخبر وبالعكس .