إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَٱسۡتَفۡتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٖ} (15)

{ واستفتحوا } أي استنصروا الله على أعدائهم كقوله تعالى : { إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الفتح } [ الأنفال ، الآية 19 ] أو استحكموا وسألوه القضاءَ بينهم من الفتاحة وهي الحكومةُ كقوله تعالى : { رَبَّنَا افتح بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بالحق } [ الأعراف ، الآية 89 ] فالضميرُ للرسل ، وقيل : للفريقين فإنهم سألوا أن يُنصَر المحِقُّ ويهلَك المبطل ، وهو معطوفٌ على أوحى إليهم وقرئ بلفظ الأمرِ عطفاً على لنهلكن الظالمين ، أي أوحى إليهم ربهم لنُهلِكَنّ ، وقال لهم : استفتِحوا { وَخَابَ } أي خسِر وهلك { كُلّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } متّصفٍ بضد ما اتصف به المتقون ، أي فنُصروا عند استفتاحِهم وظفِروا بما سألوا وأفلحوا وخاب كلُّ جبارٍ عنيد ، وهم قومُهم المعاندون فالخيبةُ بمعنى مطلقِ الحِرمان عن المطلوب ، أو ذلك باعتبار أنهم كانوا يزعُمون أنهم على الحق ، أو استفتح الكفارُ على الرسل وخابوا ولم يُفلحوا ، وإنما قيل : وخاب كلُّ جبار عنيد ذماً لهم وتسجيلاً عليهم بالتجبّر والعِناد لا أن بعضَهم ليسوا كذلك وأنه لم يُصبْهم الخيبةُ ، أو استفتحوا جميعاً فنُصر الرسلُ وأُنجِز لهم الوعدُ وخاب كلّ عاتٍ متمردٍ ، فالخيبةُ بمعنى الحرمان غِبَّ الطلب ، وفي إسناد الخيبةِ إلى كل منهم ما لا يخفى من المبالغة .