السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَٱسۡتَفۡتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٖ} (15)

وفي تفسير قوله تعالى : { واستفتحوا } قولان : أحدهما : طلب الفتح ، أي : واستنصروا الله تعالى على أعدائهم وهو كقوله تعالى : { إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح } [ الأنفال ، 19 ] .

والثاني : الفتح الحكم والقضاء ، أي : واستحكموا الله وسألوه القضاء بينهم ، وهو مأخوذ من الفتاحة ، وهي الحكومة كقوله تعالى : { ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق } [ الأعراف ، 89 ] . فعلى القول الأول المستفتح هم الرسل ؛ لأنهم استنصروا الله ودعوا على قومهم بالعذاب لما أيسوا من إيمانهم . قال نوح : { رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً } [ نوح ، 26 ] وقال موسى : { ربنا اطمس على أموالهم } [ يونس ، 88 ] وقال لوط : { انصرني على القوم المفسدين } [ العنكبوت ، 30 ] . وعلى القول الثاني : قال الرازي : فالأولى أن يكون المستفتح هم الأمم وذلك أنهم قالوا : اللهم إن كان هؤلاء الرسل صادقين ، فعذبنا ، ومنه قول كفار قريش : { اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء } [ الأنفال ، 32 ] . وكقول آخرين : { ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين } [ العنكبوت ، 29 ] . { وخاب } ، أي : خسر وهلك { كل جبار } ، أي : متكبر عن طاعة الله ، وقيل : هو الذي لا يرى فوقه أحداً ، وقيل : هو المتعظم في نفسه المتكبر على أقرانه ، واختلفوا في قوله تعالى : { عنيد } فقال مجاهد : معاند للحق ومجانبه . وقال ابن عباس : هو المعرض عن الحق . وقال مقاتل : هو المتكبر . وقال قتادة : هو الذي يأبى أن يقول لا إله إلا الله ، وقيل : هو المعجب بما عنده .