تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قُلۡ إِن تُخۡفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمۡ أَوۡ تُبۡدُوهُ يَعۡلَمۡهُ ٱللَّهُۗ وَيَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (29)

يخبر تبارك وتعالى عباده أنه يعلم السرائر والضمائر والظواهر ، وأنه لا يخفى عليه منهم خافية ، بل علمه محيط بهم في سائر الأحوال والآنات واللحظات وجميع الأوقات ، وبجميع ما في السموات والأرض ، لا يغيب عنه مثقال ذرة ، ولا أصغر من ذلك في جميع أقطار الأرض والبحار والجبال ، وهو { عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أي : قدرته{[4941]} نافذة في جميع ذلك .

وهذا تنبيه منه لعباده على خوفه وخشيته ، وألا يرتكبوا ما نهى عنه وما يَبْغضه منهم ، فإنه عالم بجميع أمورهم ، وهو قادر على معاجلتهم بالعقوبة ، وإنْ أنظر من أنظر منهم ، فإنه يمهل ثم يأخذ أخذ عزيز مقتدر ؛ ولهذا قال بعد هذا : { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا

[ وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ] {[4942]} } الآية .


[4941]:في جـ، ر، أ، و: "وقدرته".
[4942]:زيادة من جـ، ر، أ، و.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قُلۡ إِن تُخۡفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمۡ أَوۡ تُبۡدُوهُ يَعۡلَمۡهُ ٱللَّهُۗ وَيَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (29)

انتقال من التحذير المجمل إلى ضرب من ضروب تفصيله ، وهو إشعار المحذّر باطّلاع الله على ما يخفونه من الأمر .

وذكر الصدور هنا والمراد البواطن والضمائر : جرياً على معروف اللغة من إضافة الخواطر النفسية إلى الصدر والقلب ، لأنّ الانفعالات النفسانية وتردّدات التفكّر ونوايا النفوس كلّها يشعر لها بحركات في الصدور .

وزاد أو تُبدوه فأفاد تعميم العلم تعليماً لهم بسعة علم الله تعالى لأنّ مقام إثبات صفات الله تعالى يقتضي الإيضاح .

وجملة { ويعلم ما في السماوات وما في الأرض } معطوفة على جملة الشرط فهي معمولة لفعل قل ، وليست معطوفة على جواب الشرط : لأنّ علم الله بما في السماوات وما في الأرض ثابت مطلقاً غير معلّق على إخفاء ما في نفوسهم وإبدائه وما في الجملة من التعميم يجعلها في قوة التذييل .

وقوله : { والله على كل شيء قدير } إعلام بأنّه مع العلم ذو قدرة على كلّ شيء ، وهذا من التهديد ؛ إذ المهدِّد لا يحول بينه وبين تحقيق وعيده إلاّ أحد أمرين : الجهل بجريمة المجرم ، أو العجز عنه ، فلما أعلمهم بعموم علمه ، وعموم قدرته ، علموا أنّ الله لا يفلتهم من عقابه .

وإظهار اسم الله دون ضميره فلم يقل وهو على كل شيء قدير : لتكون الجملة مستقلة فتجري مجرى المثل ، والجملة لها معنى التذييل . والخطاب للمؤمنين تبعاً لقوله : { لا يتّخذ المؤمنون الكافرين } [ آل عمران : 28 ] الآية .