يقول تعالى : إنه الذي أحسن خلق الأشياء وأتقنها وأحكمها .
وقال مالك ، عن زيد بن أسلم : { الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ } قال : أحسن خلق كل شيء . كأنه جعله من المقدم والمؤخر .
ثم لما ذكر خلق السموات والأرض ، شرع في ذكر خلق الإنسان فقال : { وَبَدَأَ خَلْقَ الإنْسَانِ مِنْ طِينٍ } يعني : خلق أبا البشر آدم من طين .
وقرأ جمهور الناس «خلَقه » بفتح اللام على أنه فعل ماض ، ومعنى { أحسن } أتقن وأحكم فهو حسن من جهة ما هو لمقاصده التي أريد لها ، ومن هذا المعنى ما قال ابن عباس وعكرمة : ليست إست القرد بحسنة ولكنها متقنة محكمة ، والجملة في { خلقه } يحتمل أن تكون في موضع نصب صفة ل { كل } أو في موضع خفض صفة ل { شيء } ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر «خلْقه » بسكون اللام وذلك منصوب على المصدر ، والضمير فيه إما عائد على الله تعالى وإما على المفعول ، ويصح أن يكون بدلاً من { كل } وذهب بعض الناس على هذه القراءة إلى أن { أحسن } بمعنى ألهم ، وأن هذه الآية بمعنى قوله تعالى : { أعطى كل شيء خلقه ثم هدى }{[9408]} [ طه : 50 ] أي ألهم الرجل إلى المرأة ، والجمل إلى الناقة ، وهذا قول فيه بعد ورجحه الطبري ، وقرأ جمهور الناس «وبدأ » ، وقرأ الزهري «وبدا خلق الإنسان » بألف دون همزة وبنصب القاف وذلك على البدل لا على التخفيف{[9409]} .
قال الفقيه الإمام القاضي : كأنه أبدل الياء من بدى ألفاً ، وبدى{[9410]} لغة الأنصار ، وقال ابن رواحة : [ الرجز ]
«بسم الإله وبه بدينا . . . ولو عبدنا غيره شقينا »{[9411]}
و { الإنسان } آدم عدد أمره على بنيه إذ خلقه خلق لهم من حيث هو منسلهم .
خبر آخر عن اسم الإشارة أو وصف آخر ل { عالم الغيب } [ السجدة : 6 ] ، وهو ارتقاء في الاستدلال مشوبٌ بامتنان على الناس أنْ أحْسنَ خلقهم في جملة إحسان خلق كل شيء وبتخصيص خلق الإنسان بالذكر . والمقصود : أنه الذي خلق كل شيء وخاصة الإنسان خلقاً بعد أن لم يكن شيئاً مذكوراً ، وأخرج أصله من تراب ثم كوَّن فيه نظام النسل من ماء ، فكيف تعجزه إعادة أجزائه .
والإحسان : جعل الشي حَسناً ، أي محموداً غير معيب ، وذلك بأن يكون وافياً بالمقصود منه فإنك إذا تأملت الأشياء رأيتها مصنوعة على ما ينبغي ؛ فصلابة الأرض مثلاً للسير عليها ، ورقة الهواء ليسهل انتشاقه للتنفس ، وتوجه لهيب النار إلى فوقُ لأنها لو كانت مثل الماء تلتهب يميناً وشمالاً لكثرت الحرائق فأما الهواء فلا يقبل الاحتراق .
وقوله { خَلَقَه } قرأه نافع وعاصم وحمزة والكسائي وخلف بصيغة فعل المضي على أن الجملة صفة ل { شيء } أي : كل شيء من الموجودات التي خلقها وهم يعرفون كثيراً منها . وقرأه الباقون بسكون اللام على أنه اسم هو بدل من { كل شيء } بدل اشتمال . وتخلص من هذا الوصف العام إلى خلْق الإنسان لأن في خلقة الإنسان دقائق في ظاهره وباطنه وأعظمها العقل .
و { الإنسان } أُريد به الجنس ، وبَدْءُ خلقه هو خلق أصله آدم كما في قوله تعالى : { ولقد خلقناكم ثم صوّرناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم } [ الأعراف : 11 ] ، أي : خلقنا أباكم ثم صورناه ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم . ويدل على هذا المعنى هنا قوله : { ثم جَعَل نسله من سلالة } فإن ذلك بُدِىء من أول نسل لآدم وحواء ، وقد تقدم خلْق آدم في سورة البقرة . و { من } في قوله { مِن طِين } ابتدائية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.