إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{ٱلَّذِيٓ أَحۡسَنَ كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقَهُۥۖ وَبَدَأَ خَلۡقَ ٱلۡإِنسَٰنِ مِن طِينٖ} (7)

{ الذي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْء خَلَقَهُ } خبرٌ آخرُ أو نصب على المدحِ أي حسّن كلَّ مخلوقٍ خلقَه إذ ما من مخلوقٍ خلقَه إلا وهو مرتبٌ على ما تقتضيهِ الحكمةُ وأوجبته المصلحة فجميعُ المخلوقاتِ حسنةٌ وإن تفاوتت إلى حسنٍ وأحسنَ كما قال تعالى : { لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } [ سورة التين ، الآية4 ] وقيل : علم كيفَ يخلقُه من قوله قيمةُ المرءِ ما يُحسِن ، أي يُحسن معرفَته أي يعرفِه معرفةً حسنةً بتحقيقٍ وإيقانٍ . وقرئ خلْقَه على أنه بدلُ اشتمالٍ من كلِّ شيءٍ والضَّميرُ للمبدَل منه أي حسّن خلقَ كلِّ شيءٍ وقيل : بدلُ الكلِّ على أن الضَّميرَ للَّهِ تعالى والخلقُ بمعنى المخلوقِ أي حسّن كلَّ مخلوقاتِه وقيل : هو مفعولٌ ثانٍ لأحسنَ على تضمُّنهِ معنى أعطَى أي أعطَى كلَّ شيءٍ خلقَه اللائقَ به بطريقِ الإحسانِ والتَّفضل وقيل هو مفعولُه الأولُ وكلّ شيءٍ مفعولُه الثاني والخلقُ بمعنى المخلوقِ وضميرُه لله سبحانَه على تضمينِ الإحسانِ معنى الإلهام والتَّعريفِ والمَعنى ألهم خلقَه كلَّ شيءٍ ممَّا يحتاجون إليهِ وقال أبو البقاءِ عرَّفَ مخلوقاتِه كلَّ شيءٍ يحتاجُون إليهِ فيؤول إلى مَعنى قوله تعالى : { الذي أعطى كُلَّ شَيء خَلْقَهُ ثُمَّ هدى } [ سورة طه ، الآية50 ] { وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسان } من بينِ جميعِ المخلوقاتِ { مِن طِينٍ } على وجهٍ بديعٍ تحارُ العقولُ في فهمِه حيثُ برَأ آدمَ عليه السَّلامُ على فطرةٍ عجيبةٍ منطويةٍ على فطرةِ سائرِ أفرادِ الجنسِ انطواءً إجمالياً مستتبعاً كلَّ فردٍ منها من القوةِ إلى الفعلِ بحسبِ استعداداتها المتفاوتةِ قُرباً وبُعداً كما يُنبئ عنه قولُه تعالى : { ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ } إلخ أي ذُريَّتَه سُميتْ بذلك لأنَّها تنسلُ وتنفصلُ منه