قوله : «الَّذِي أَحْسَن » يجوز أن يكون تابعاً لما قبله في قراءتي الرفع والخفض ، وأن يكون خبراً آخر وأن يكون خبر مبتدأ مضمر ، وأن يكون منصوباً على المدح .
قوله : «خَلقَهُ » قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابنُ عامر{[42749]} : بسكون اللام ، والباقون بفتحها{[42750]} فأما الأولى ففيها أوجه :
أحدها : أن يكون «خَلْقَهُ » بدلاً من : «كُلَّ شَيْءٍ »{[42751]} بدل اشتمال والضمير عائد على «كل شيء » وهذا هو المشهور .
الثاني : أنه بدل كل من كل . والضمير في{[42752]} «هذا » عائد على «الباري » تعالى ، ومعنى «أحسن » حسن لأنه ما من شيء خلقه إلا وهو مرتب على ما يقتضيه الحكمة ، فالمخلوقات كلها حسنة{[42753]} .
الثالث : أن يكون «كُلَّ شَيْءٍ » مفعولاً أول ، و «خَلْقَهُ » مفعولاً ثانياً ، على أن يضمن «أحسن » معنى أعْطَى وَألْهَمَ . قال مجاهد : وأعطى كل جنس شَكْلَهُ ، والمعنى خلق كل شيء على شكله الذي خص به{[42754]} .
الرابع : أن يكون «كُلَّ شَيْءٍ » مفعولاً ثانياً قُدِّمَ و «خَلْقَهُ » مفعولاً أول أُخِّرَ على أن يضمن «أحْسَنَ »{[42755]} معنى ألْهَمَ وعَرَّفَ .
قال الفراء : ألهم كل شيء خلقه{[42756]} فيما يحتاجون إليه فيكون أعلمهم ذلك . ( وقال أبو البقاء : ضمن{[42757]} «أحْسَنَ » معنى «عَرَّف » وأعرف على نحو ما تقدم إلا أنه لا بُدَّ أن يجعل الضمير ) لِلَّه تعالى ، ويجعل الخلق بمعنى المخلوق أي عرف مخلوقاتهِ كُلَّ شيء يحتاجون إليه فيؤول المعنى إلى معنى قوله : { أعطى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هدى } [ طه : 50 ] .
الخامس : أن تعود الهاء على «الله » تعالى وأن يكون «خَلْقَهُ » منصوباً على المصدر المؤكد لمضمون الجملة{[42758]} كقوله : { صُنْعَ الله } [ النمل : 88 ] ، وهو مذهب سيبويه أي{[42759]} خَلَقَهُ خَلْقاً ، ورُجِّحَ على{[42760]} بدل الاشتمال بأن فيه إضافة المَصْدَر إلى فاعله ، وهو أكثر من إضافته إلى المفعول وبأنه أبلغ في الامتنان{[42761]} لأنه إذا قال : { أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ } كان أبلغ من { أحسن خلق كل شيء } ؛ لأنه قد يحسن الخلق وهو المحاولة ولا يكون الشيء في نفسه «حسناً » وإذا قال : { أحْسَنَ كُلَّ شيء } اقتضى أن كل ( شيء ) خلقه حسن بمعنى أنه وضع كل شيء في موضعه{[42762]} .
وأما القراءة الثانية «فخَلَقَ » فيها فعل ماض ، والجملة صفة للمضاف أو أو المضاف إليه فتكون منصوبة المحل أو مجرورته{[42763]} .
قوله : «وَبَدَأ » العامة على الهمز . وقرأ الزُّهْرِيُّ{[42764]} «بَدَأ » بألف خالصة وهو خارج عن قياس تخفيفها إذ قياسه{[42765]} بَيْنَ بَيْنَ على أنَّ الأخفش حَكَى قريباً{[42766]} . وجوز أبو حيان أن يكون من{[42767]} لغة الأنصار ، يقولون في «بَدَا » بكسر وبعدها ياء كقول عبد الله بن رواحة الأنصاري .
4062 - بِاسْمِ الإِلَهِ وَبِهِ بَدِينَا *** وَلَوْ عَبَدْنَا غَيْرَهُ شَقِينَا{[42768]}
قال : وطيىء تقول في تُقَى تُقَاء{[42769]} ، قال : فاحتمل أن تكون قراءة الزهري من هذه اللغة أصله «بَدِي » ثم صار{[42770]} «بَدَأ » ، قال شهاب الدين : فتكون القراءة مركبة من{[42771]} لُغَتَيْنِ .
{ ذلك عَالِمُ الغيب والشهادة } يعني ذلك الذي صنع ما ذكر من خلق السموات والأرض عالم ما غاب عن الخلق وما حضر «العَزِيزُ الرَّحِيمُ » لما بين أنه عالم ذكر أنه «عزيز » قادر على الانتقام من الكفرة «رَحِيمٌ » واسع الرحمة على البررة { الذي أحسن كل شيء خلقه } أي أحسن خَلْقَ كلِّ شيء{[42772]} . قال ابن عباس : أتقنه{[42773]} وأحكمه وقال مقاتل{[42774]} : علم كيف يخلق كل شيء من قولك : فلانُ يُحْسِنُ كذا ، إذا كان يعلمه . وقيل : خلق كل حيوان على صورة لم يخلق البعض على صورة البعض فكل حيوان كامل في خلقه حسن ، وكل عضو من أعضائه مقدر بما يصلح معاشه . واعلم أنه تعالى لما ذكر الدليل على الوحدانية من الآفاق بقوله : { خلق السموات والأرض وما بينهما } أتبعه بذكر الدليل الدال عليها من الأنفس فقال : { الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين } يعني آدم ، ويمكن أن يقال : الطين ماء وتراب مجتمعان ، والآدمي{[42775]} أصله مَنِي ، والمَنِي أصله غذاءٌ ، والأغذية إما حيوانية وإما نباتية ( والحيوانية{[42776]} ترجع إلى نباتية ) والنبات وجوده بالماء والتراب الذي هو الطين
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.