تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{ٱلَّذِيٓ أَحۡسَنَ كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقَهُۥۖ وَبَدَأَ خَلۡقَ ٱلۡإِنسَٰنِ مِن طِينٖ} (7)

الآية 7 وقوله تعالى : { الذي أحسن كل شيء خلقه } [ بالتحريك والجزم ]( {[16364]} ) جميعا ، كلاهما لغتان [ وهو يحتمل وجهين :

أحدهما ]( {[16365]} ) : { أحسن كل شيء } أي علم كل شيء خلقه ، أي( {[16366]} ) كيف يخلق من غير أن يعلمه أحد( {[16367]} ) ، أو أعانه عليه أحد ؟ وفي الشاهد لا يقدر أحد ، ولا يمكن له صنع [ شيء إلا ]( {[16368]} ) بمعلم يعلمه ذلك أو بمعين ، يعين على ذلك .

يخبر عن جهلهم وسفههم بتقدير قدرة الله وقوته بقوى أنفسهم وقدرتهم في إنكارهم البعث لخروجه عن تقدير الخلق وامتناعه/420-ب/ عن وسعهم . يقول : لا تقدروا قدرة الله بقدرة أنفسكم وقواكم كما لم تقدروا علمه بعلمكم ؛ إذ يعلم هو بذاته بلا معلم ، وأنتم لا تعلمون إلا بمعلم . فعلى ذلك هو قادر بذاته ، لا يعجزه شيء ، وأنتم لا تقدرون إلا بغير أو بسبب .

ويحتمل هذا الوجه وجها آخر ، وهو أن قوله : { أحسن كل شيء خلقه } [ أي أعلم كل شيء ]( {[16369]} ) من خلقه ما به صلاحهم( {[16370]} ) وفسادهم ، وما يؤتى ، وما يتقى . [ ويستعمل لازما ومتعديا ، وفي الأصل( {[16371]} ) هو متعد ، وأن المراد منه العلم المكتسب الذي يحصّل بالتعلم . وأما اللازم فيكون تحصيل العلم بنفسه . وغيره( {[16372]} ) يستعمل في الأمرين جميعا ، والله أعلم ]( {[16373]} )

والثاني : { أحسن كل شيء خلقه } أي أحكم كل شيء خلقه ، وأتقنه ، ثم يخرج هذا على وجهين :

أحدهما : أتقن وأحكم في ما فيه من المصالح والمعاني وفي كل شيء من التسوية والتفرقة وفي الجمع والتصوير .

والثاني : { أحسن } أي أتقن وأحكم كل شي خلقه في الشهادة على وحدانيته وألوهيته ، أي جعل في كل أثر وحدانيته وربوبيته .

وقال بعضهم : { أحسن كل شيء خلقه } لم يخلق الإنسان في خلق البهائم وصورتها ، ولا البهائم في خلق الإنسان . وقتادة يقول : كل شيء من خلقه حسن على ما خلق ، وعلم كيف يخلقه ؟ وهو قريب مما ذكرنا بدءا .

ثم من قرأ : خلقه بالجزم فيكون معناه ، والله أعلم : أي أحسن خلق كل شيء . ومن قرأ : خلقه بالتحريك فمعناه( {[16374]} ) : أحسن كل شيء خلقه( {[16375]} ) .

ثم للمعتزلة في هذه الآية أدنى تعلق : يقولون( {[16376]} ) : أخبر أنه أحسن كل شيء خلقه ، والكفر وشتم رب العالمين ونحوه ، كله قبيح وسفه ، دل أنه لم يخلقه وأنه ليس بخالق ذلك( {[16377]} ) .

يقال لهم : إخوانكم الزنادقة يعارضونكم ، ويقولون : إن الخنزير والنجاسات وجميع السباع الضارة والمؤذية وجميع الخبائث ؛ كلها قبيحة ، فالله ليس بخالق [ لها ]( {[16378]} ) فبم تدعون قولهم وسؤالهم في ذلك ؟

فإن زعمتم في الأول في الكفر والشتم وجميع فعل الشرور أنه ليس بخلق له لأنه قبيح ضار مؤذ يلزمكم مذهب الزنادقة في ما يقولون ، ويذكرون ، في إثبات خالق سواه لأنه قبيح ضار مؤذ .

ويقال لهم : إن الله ، جل ، وعلا ، سمى إبليس باطلا [ فهو ]( {[16379]} ) إذن لم يخلقه لأنه أخبر أنه لم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلا .

ثم يقال لهم : إنا نقول : إنه خلق فعل الكفر [ من الكفرة قبيحا ، وخلق فعل الشر ]( {[16380]} ) والشتم من الشرير والشاتم قبيحا في ما خلق فعل الشر على ما هو وعلى ما عرفه [ وعلمه ]( {[16381]} ) .

فلا عيب يلحق في جعل [ ما ]( {[16382]} ) هو قبيح قبيحا كمن يعلم الكفر ليعلمه قبيحا على ما هو ، وكذلك جميع الشرور .

فعلى ذلك ليس في خلق ما هو قبيح عيب على ما لم يكن في تكلف معرفة القبيح ليعرفه قبيحا على ما هو حقيقة عيب .

هذا إذا كان التأويل على ما يذهبون هم إليه . فأما إذا كان ما ذكرنا في قوله : { أحسن } أي علم أو علم فليس يدخل في ذلك الشيء مما ذكروا ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وبدأ خلق الإنسان من طين } قال عامتهم : يعني آدم .


[16364]:في الأصل وم: بالجزم والتحريك، انظر معجم القراءات القرآنية ح 5/98.
[16365]:في الأصل وم: ثم يحتمل قوله.
[16366]:من م، في الأصل: إن
[16367]:من م، في الأصل: أحدا.
[16368]:من م، في الأصل: شيء.
[16369]:من م، ساقطة من الأصل.
[16370]:في الأصل وم: مصالحهم.
[16371]:في نسخة الحرم المكي: الحاصل.
[16372]:المقصود: غيره من الأفعال.
[16373]:من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم.
[16374]:في الأصل وم: أي. انظر معجم القراءات القرآنية ج 5/98.
[16375]:في الأصل وم: منه وخلقه.
[16376]:من م، في الأصل: يكونون.
[16377]:في الأصل وم: لذلك.
[16378]:من م، ساقطة من الأصل وم.
[16379]:من م، ساقطة من الأصل.
[16380]:من م، ساقطة من الأصل.
[16381]:من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم.
[16382]:من م، ساقطة من الأصل.