المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{ٱلَّذِيٓ أَحۡسَنَ كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقَهُۥۖ وَبَدَأَ خَلۡقَ ٱلۡإِنسَٰنِ مِن طِينٖ} (7)

وقرأ جمهور الناس «خلَقه » بفتح اللام على أنه فعل ماض ، ومعنى { أحسن } أتقن وأحكم فهو حسن من جهة ما هو لمقاصده التي أريد لها ، ومن هذا المعنى ما قال ابن عباس وعكرمة : ليست إست القرد بحسنة ولكنها متقنة محكمة ، والجملة في { خلقه } يحتمل أن تكون في موضع نصب صفة ل { كل } أو في موضع خفض صفة ل { شيء } ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر «خلْقه » بسكون اللام وذلك منصوب على المصدر ، والضمير فيه إما عائد على الله تعالى وإما على المفعول ، ويصح أن يكون بدلاً من { كل } وذهب بعض الناس على هذه القراءة إلى أن { أحسن } بمعنى ألهم ، وأن هذه الآية بمعنى قوله تعالى : { أعطى كل شيء خلقه ثم هدى }{[9408]} [ طه : 50 ] أي ألهم الرجل إلى المرأة ، والجمل إلى الناقة ، وهذا قول فيه بعد ورجحه الطبري ، وقرأ جمهور الناس «وبدأ » ، وقرأ الزهري «وبدا خلق الإنسان » بألف دون همزة وبنصب القاف وذلك على البدل لا على التخفيف{[9409]} .

قال الفقيه الإمام القاضي : كأنه أبدل الياء من بدى ألفاً ، وبدى{[9410]} لغة الأنصار ، وقال ابن رواحة : [ الرجز ]

«بسم الإله وبه بدينا . . . ولو عبدنا غيره شقينا »{[9411]}

و { الإنسان } آدم عدد أمره على بنيه إذ خلقه خلق لهم من حيث هو منسلهم .


[9408]:من الآية 50 من سورة طه، وهي قوله تعالى:{قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى}.
[9409]:قال أبو الفتح ابن جني: "ومثله بيت الكتاب: راحت بمسلمة البغال عشية فارعي فزارة لا هناك المرتع ولو كان تخفيفا قياسا لجعل الهمزة بين بين، ولو أسندت الفعل إلى نفسك على التخفيف القياسي قلت: بدات بألف لا همز في لفظها، وعلى البدل قلت: بديت، كما حكي عنهم: قريت وأخطيت".
[9410]:بكسر عين الكلمة وياء بعدها،و هي لغة طيء، قال ذلك أبو حيان في البحر.
[9411]:الشاهد فيه قوله: (بدينا) بكسر الدال وبعدها ياء، وهي لغة الأنصار في (بدأ).