البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{ٱلَّذِيٓ أَحۡسَنَ كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقَهُۥۖ وَبَدَأَ خَلۡقَ ٱلۡإِنسَٰنِ مِن طِينٖ} (7)

وقرأ الجمهور خلقه بفتح اللام فعلاً ماضياً صفة لكل أو لشيء وقرأ العربيان وابن كثير بسكون اللام والظاهر أنه بدل اشتمال والمبدل منه كل أي أحسن خلق كل شيء فالضمير في خلقه عائد على كل وقيل الضمير في خلقه عائد على الله فيكون انتصابه نصب المصدر المؤكد لمضمون الجملة كقوله صِبْغَةَ اللَّهِ وهو قول سيبويه أي خلقه خلقاً ، ورجح على بدل الاشتمال بأن فيه إضافة المصدر إلى الفاعل ، وهو أكثر من إضافته إلى المفعول ، وبأنه أبلغ في الامتنان ، لأنه إذا قال : { أحسن كل شيء } ، كأن أبلغ من : أحسن خلق كل شيء ، لأنه قد يحسن الخلق ، وهو المجاز له ، ولا يكون الشيء في نفسه حسناً .

فإذا قال : { أحسن كل شيء } ، اقتضى أن كل شيء خلقه حسن ، بمعنى : أنه وضع كل شيء في موضعه . انتهى .

وقيل : في هذا الوجه ، وهو عود الضمير في خلقه على الله ، يكون بدلاً من كل شيء ، بدل شيء من شيء ، وهما لعين واحدة .

ومعنى { أحسن } : حسن ، لأنه ما من شيء خلقه إلا وهو مرتب على ما تقضيه الحكمة .

فالمخلوقات كلها حسنة ، وإن تفاوتت في الحسن ، وحسنها من جهة المقصد الذي أريد بها .

ولهذا قال ابن عباس : ليست القردة بحسنة ، ولكنها متقنة محكمة .

وعلى قراءة من سكن لام خلقه ، قال مجاهد : أعطى كل جنس شكله ، والمعنى : خلق كل شيء على شكله الذي خصه به .

وقال الفراء : ألهم كل شيء خلقه فيما يحتاجون إليه ، كأنه أعلمهم ذلك ، فيكون كقوله : { أعطى كل شيء خلقه } وقرأ الجمهور : بدأ بالهمز ؛ والزهري : بالألف بدلاً من الهمزة ، وليس بقياس أن يقول في هدأ : هدا ، بإبدال الهمزة ألفاً ، بل قياس هذه الهمزة التسهيل بين بين ؛ على أن الأخفش حكى في قرأت : قريت ونظائره .

وقيل : وهي لغية ؛ والأنصار تقول في بدأ : بدى ، بكسر عين الكلمة وياء بعدها ، وهي لغة لطي .

يقولون في فعل هذا نحو بقى : بقأ ، فاحتمل أن تكون قراءة الزهري على هذه اللغة أصله بدى ، ثم صار بدأ ، أو على لغة الأنصار .

وقال ابن رواحة :

باسم الإله وبه بدينا *** ولو عبدنا غيره شقينا

{ وبدأ خلق الإنسان } : هو آدم ، عليه الصلاة والسلام .