فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ٱلَّذِيٓ أَحۡسَنَ كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقَهُۥۖ وَبَدَأَ خَلۡقَ ٱلۡإِنسَٰنِ مِن طِينٖ} (7)

{ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ } قرئ بفتح اللام وبإسكانها فعلى الأولى خلقه فعل ماض نعتا لشيء ، وعلى الثانية ففي نصبه أوجه :

الأول : أن يكون بدلا من ( كل شيء ) بدل اشتمال ، والضمير عائد إلى : كل شيء ، وهذا هو الوجه المشهور عند النحاة .

الثاني : أنه بدل كل من كل ، والضمير راجع إلى الله سبحانه ، ومعنى ( أحسن ) حسن ، لأنه ما من شيء إلا وهو مخلوق على ما تقتضيه الحكمة فمن المخلوقات حسنة .

الثالث : أن يكون ( كل شيء ) هو المفعول الأول ، وخلقه هو المفعول الثاني ، على تضمين معنى أعطى ، والمعنى : أعطى كل شيء خلقه الذي خصه به ، وقيل : على تضمينه معنى ألهم . قال الفراء : ألهم خلقه كل شيء يحتاجون إليه .

الرابع : أنه منصوب على المصدر المؤكد لمضمون الجملة أي خلقه خلقا كقوله : صنع الله ، وهذا قول سيبويه ، والضمير يعود إلى الله سبحانه .

والخامس : أنه منصوب بنزع الخافض ، والمعنى : أحسن كل شيء في خلقه ، ومعنى الآية أنه أتقن وأحكم خلق مخلوقاته ، فبعض المخلوقات – وإن لم تكن حسنة في نفسها – فهي متقنة محكمة ، فيكون هذه الآية معناها معنى أعطى كل شيء خلقه أي : لم يخلق الإنسان على خلق البهيمة ولا خلق البهيمة على خلق الإنسان . وقيل هو عموم في اللفظ خصوص في المعنى ، أي أحسن خلق كل شيء حسن . وقال ابن عباس : أما رأيت القردة ليست بحسنة ، ولكنه أحكم خلقها ، وعنه في الآية قال : أما آنست القردة ليست بحسنة ، ولكنه أحكم خلقها ، وقال : خلقه : صورته . قال أحسن كل شيء القبيح والحسن ، والعقارب ، والحيات ، وكل شيء مما خلق ، وغيره لا يحسن شيئا من ذلك .

وأخرج الطبراني عن أبي أمامة قال : بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لقينا عمرو بن زرارة الأنصاري في حلة قد أسبل ، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بناحية ثوبه ، فقال يا رسول الله إني أحمش الساقين ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يا عمرو ابن زرارة إن الله عز وجل قد أحسن كل شيء يا عمرو إن الله لا يحب المسبلين ) . أخرج أحمد والطبراني عن الشريد بن سويد قال : ( أبصر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا قد أسبل إزاره فقال ارفع إزارك ، فقال : يا رسول الله إني أحنف تصطك ركبتاي ، فقال : ارفع إزارك كل خلق الله حسن ) .

{ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ } يعني آدم خلقه { مِن طِينٍ } فصار على صورة بديعة ، وشكل بديع حسن