تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمَا لَكُمۡ لَا تُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلۡمُسۡتَضۡعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلۡوِلۡدَٰنِ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخۡرِجۡنَا مِنۡ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةِ ٱلظَّالِمِ أَهۡلُهَا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّٗا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا} (75)

يحرض تعالى عباده المؤمنين على الجهاد في سبيله وعلى السعي في استنقاذ المستضعفين بمكة{[7896]} من الرجال والنساء والصبيان المتبرمين بالمقام بها ؛ ولهذا قال تعالى : { الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ } يعني : مكة ، كقوله تعالى : { وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ } [ محمد : 13 ] .

ثم وصفها بقوله : { الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا } أي : سخر لنا من عندك وليا وناصرا .

قال البخاري : حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا سفيان ، عن عبيد الله{[7897]} قال : سمعت ابن عباس قال : كنت أنا وأمي من المستضعفين .

حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن ابن [ أبي ]{[7898]} مُلَيْكَة أن ابن عباس تلا { إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ } قال : كنت أنا وأمي ممن عَذَرَ الله عز وجل{[7899]} .


[7896]:في أ: "في مكة".
[7897]:في د: "عبد الله".
[7898]:زيادة من د، ر، أ.
[7899]:صحيح البخاري برقم (4587، 4588)،
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَا لَكُمۡ لَا تُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلۡمُسۡتَضۡعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلۡوِلۡدَٰنِ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخۡرِجۡنَا مِنۡ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةِ ٱلظَّالِمِ أَهۡلُهَا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّٗا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا} (75)

وقوله تعالى : { وما لكم } اللام متعلقة بما يتعلق بالمستفهم عنه من معنى الفعل ، تقديره وأي شيء موجود أو كائن أن نحو ذلك لكم ؟ و { لا تقاتلون } في موضع نصب على الحال ، تقديره تاركين أو عطف على «السبيل » أي وفي المستضعفين لاستنقاذهم ، ويعني ب { المستضعفين } من كان بمكة من المؤمنين تحت إذلال كفرة قريش وأذاهم لا يستطيعون خروجاً ، ولا يطيب لهم على الأذى إقامة ، وفي هؤلاء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «اللهم أنج سلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة ، اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين »{[4149]} و { الولدان } بابه أن يكون جمع وليد ، وقد يكون جمع ولد كورل وورلان{[4150]} ، فهي على الوجهين عبارة عن الصبيان ، والقرية هاهنا مكة بإجماع من المتأولين .

قال القاضي أبو محمد : والآية تتناول المؤمنين والأسرى وحواضر الشرك إلى يوم القيامة ، ووحد الظالم لأنه موضع اتخاذ الفعل ، ألا ترى أن الفعل إنما تقديره الذي ظلم أهلها ، ولما لم يكن للمستضعفين حيلة إلا الدعاء ، دعوا في الاستنقاذ وفيما يواليهم من معونة الله تعالى وما ينصرهم على أولئك الظلمة من فتح الله تبارك وتعالى .


[4149]:- رواه البخاري ومسلم، وغيرهما.
[4150]:-الورل- بفتح الواو والراء-: دابة على هيئة الضب، وهي أعظم منه وألطف بدنا، والورل طويل الذنب، صغير الرأس، لحمه حار جدا، يعيش في الصحراء وبه يضرب المثل في الظلم فيقال: "أظلم من ورل" ذلك لأنه يغصب الحية جحرها ويأكلها، ويسكن في الجحر بعدها-والأنثى: ورلة، والجمع كما قال المؤلف: ورلان وأورال.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَا لَكُمۡ لَا تُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلۡمُسۡتَضۡعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلۡوِلۡدَٰنِ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخۡرِجۡنَا مِنۡ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةِ ٱلظَّالِمِ أَهۡلُهَا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّٗا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا} (75)

والخطاب في قوله : { ومالكم لا تقاتلون } التفات من طريق الغيبة ، وهو طريق الموصول في قوله : { الذين يَشرون الحياة الدنيا بالآخرة } إلى طريق المخاطبة .

ومعنى { ما لكم لا تقاتلون } ما يمنعكم من القتال ، وأصل التركيب : أي شيء حقّ لكم في حال كونكم لا تقاتلون ، فجملة { لا تقاتلون } حال من الضمير المجرور للدلالة على ما منه الاستفهام .

والاستفهام إنكاري ، أي لا شيء لكم في حال لا تقاتلون ، والمراد أنّ الذي هو لكم هو أن تقاتلوا ، فهو بمنزلة أمرٍ ، أي قاتلوا في سبيل الله لا يصدّكم شيء عن القتال ، وقد تقدّم قريب منه عند قوله تعالى : { قالوا وما لنا أن لا نقاتل في سبيل الله } في سورة [ البقرة : 246 ] .