قال العوفي ، عن ابن عباس ، في هذه الآية : إن أهل الرياء يعطون بحسناتهم في الدنيا ، وذلك أنهم لا يظلمون نقيرا ، يقول : من عمل صالحا التماس الدنيا ، صوما أو صلاة أو تهجدا بالليل ، لا يعمله{[14523]} إلا التماس الدنيا ، يقول الله : أوفيه الذي التمس في الدنيا من المثابة ، وحبط عمله الذي كان يعمله التماس الدنيا ، وهو في الآخرة من الخاسرين .
وهكذا روي عن مجاهد ، والضحاك ، وغير واحد .
وقال أنس بن مالك ، والحسن : نزلت في اليهود والنصارى . وقال مجاهد وغيره : نزلت في أهل الرياء{[14524]} .
وقال قتادة : من كانت الدنيا همه وَسَدَمه{[14525]} وطَلِبَته ونيته ، جازاه الله بحسناته في الدنيا ، ثم يفضي إلى الآخرة وليس له حسنة يعطى بها جزاء . وأما المؤمن فيجازى بحسناته في الدنيا ويثاب عليها في الآخرة .
وقد ورد في الحديث المرفوع نحو من هذا{[14526]} .
وقال تعالى : { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا كُلا نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلا } [ الإسراء : 18 - 21 ]{[14527]} ، وقال تعالى : { مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نزدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ } [ الشورى : 20 ] .
وقوله تعالى : { من كان يريد الحياة الدنيا } الآية ، قالت فرقة : ظاهرها العموم ومعناها الخصوص في الكفرة : هذا قول قتادة والضحاك{[6273]} ، وقال مجاهد : هي في الكفرة وفي أهل الرياء من المؤمنين : وإلى هذا ذهب معاوية حين حدثه سيافه ُشِفي بن ماتع الأصبحي{[6274]} عن أبي هريرة بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرجل المتصدق والمجاهد المقتول والقائم بالقرآن ليله ونهاره وكل ذلك رياء ، «إنهم أول من تسعر به النار يوم القيامة » فلما حدثه شفي بهذا الحديث ، بكى معاوية وقال : صدق الله ورسوله : وتلا : { من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها } الآية ، إلى قوله : { وباطل ما كانوا يعملون }{[6275]} .
فأما من ذهب إلى أنها في الكفرة فمعنى قوله { يريد } يقصد ويعتمد ، أي هي وجهه ومقصده لا مقصد له غيرها . فالمعنى : من كان يريد بأعماله الدنيا فقط إذ لا يعتقد آخرة ، فإن الله يجازيه على حسن أعماله - في الدنيا - بالنعم والحواس وغير ذلك : فمنهم مضيق عليه ومنهم موسع له ، ثم حكم عليهم بأنهم لا يحصل لهم يوم القيامة إلا بالنار ولا تكون لهم حال سواها .
قال القاضي أبو محمد : فاستقام هذا المعنى على لفظ الآية . وهو عندي أرجح التأويلات - بحسب تقدم ذكر الكفار المناقضين في القرآن - فإنما قصد بهذه الآية { أولئك }{[6276]} .
وأما من ذهب إلى أنها في العصاة من المؤمنين فمعنى { يريد } عنده يحب ويؤثر ويفضل ويقصد ، وإن كان له مقصداً آخر بإيمانه فإن الله يجازيه على تلك الأعمال الحسان التي لم يعملها لله بالنعم في الدنيا ، ثم يأتي قوله : { ليس لهم } بمعنى ليس يجب لهم أو يحق لهم إلا النار ، وجائز أن يتغمدهم الله برحمته ، وهذا ظاهر ألفاظ ابن عباس وسعيد بن جبير{[6277]} .
وقال أنس بن مالك : هي في أهل الكتاب .
قال القاضي أبو محمد : ومعنى هذا أن أهل الكتاب الكفرة يدخلون في هذه الآية ، لا أنها ليست في غيرهم .
وقرأ جمهور الناس : : نوف «بنون العظمة ؛ وقرأ طلحة{[6278]} وميمون بن مهران » يوف «بياء الغائب{[6279]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.