تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{كَذَّبَتۡ قَبۡلَهُمۡ قَوۡمُ نُوحٖ وَٱلۡأَحۡزَابُ مِنۢ بَعۡدِهِمۡۖ وَهَمَّتۡ كُلُّ أُمَّةِۭ بِرَسُولِهِمۡ لِيَأۡخُذُوهُۖ وَجَٰدَلُواْ بِٱلۡبَٰطِلِ لِيُدۡحِضُواْ بِهِ ٱلۡحَقَّ فَأَخَذۡتُهُمۡۖ فَكَيۡفَ كَانَ عِقَابِ} (5)

ثم قال تعالى مسليًا لنبيه {[25416]} محمد صلى الله عليه وسلم في تكذيب من كذبه من قومه ، بأن له أسوة من سلف من الأنبياء ؛ فإنه قد كذبهم {[25417]} أممهم وخالفوهم ، وما آمن بهم منهم إلا قليل{[25418]} ، فقال : { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ } وهو أول رسول بَعَثه الله ينهى عن عبادة الأوثان ، { وَالأحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ } أي : من كل أمة ، { وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ } أي : حرصوا على قتله بكل ممكن ، ومنهم من قتل رسوله {[25419]} ، { وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ } أي : مَاحَلُوا بالشبهة {[25420]} ليردوا الحق الواضح الجلي .

وقد قال أبو القاسم الطبراني : حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا عارم أبو النعمان ، حدثنا مُعْتَمِر ابن سليمان قال : سمعت أبي يحدث عن حَنَش ، عن عكرمة ، عن ابن عباس {[25421]} [ رضي الله عنه ] {[25422]} ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أعان باطلا ليدحض بباطله حقًّا ، فقد برئت منه ذمة الله وذمة رسوله " {[25423]} .

وقوله : { فَأَخَذْتُهُمْ } أي : أهلكتهم على ما صنعوا من هذه الآثام والذنوب العظام ، { فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ } أي : فكيف بلغك عذابي لهم ، ونكالي بهم ؟ قد كان شديدًا موجعًا مؤلمًا .

قال قتادة : كان والله شديدًا .


[25416]:- (1) في ت: "لرسوله".
[25417]:- (2) في س، أ: "كذبتهم".
[25418]:- (3) في ت، س: "القليل".
[25419]:- (4) في ت، س، أ: "رسولهم".
[25420]:- (5) في ت، أ: "ما جاءوا به من الشبهة".
[25421]:- (6) في ت: "وقد روى الطبراني بإسناده".
[25422]:- (7) زيادة من أ.
[25423]:- (8) المعجم الكبير (11/215) ورواه الحاكم في المستدرك (4/100) من طريق علي بن عبد العزيز به موقوفا وقال: "صحيح الإسناد" وتعقبه الذهبي بقوله: "فيه حنش الرحبي وهو ضعيف".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{كَذَّبَتۡ قَبۡلَهُمۡ قَوۡمُ نُوحٖ وَٱلۡأَحۡزَابُ مِنۢ بَعۡدِهِمۡۖ وَهَمَّتۡ كُلُّ أُمَّةِۭ بِرَسُولِهِمۡ لِيَأۡخُذُوهُۖ وَجَٰدَلُواْ بِٱلۡبَٰطِلِ لِيُدۡحِضُواْ بِهِ ٱلۡحَقَّ فَأَخَذۡتُهُمۡۖ فَكَيۡفَ كَانَ عِقَابِ} (5)

ثم مثل لهم بمن تقدمهم من الأمم ، أي كما حل بأولئك كذلك ينزل بهؤلاء . { الأحزاب } : يريد بهم عاداً وثمود أو أهل مدين وغيرهم ، وفي مصحف عبد الله بن مسعود : «برسولها » ، رداً على الأمة ، وضمير الجماعة هو على معنى الأمة لا على لفظها .

وقوله : { ليأخذوه } معناه ليهلكوه كما قال تعالى : { فأخذتهم }{[9964]} والعرب تقول للقتيل : أخيذ ، وللأسير كذلك ، ومنه قولهم : أكذب من الأخيذ الصبحان{[9965]} . وقال قتادة : { ليأخذوه } معناه : ليقتلوه . و { ليدحضوا } معناه : ليزلقوا وليذهبوا ، والمدحضة المزلة والمزلقة{[9966]} .

وقوله : { فكيف كان عقاب } تعجيب وتعظيم ، وليس باستفهام عن كيفية وقوع الأمر .


[9964]:من الآية (32) من سورة (الرعد)، وتكررت في الآية (24) من سورة (الحج)، والأخذ بمعنى القتل والإهلاك كثير متكرر في القرآن الكريم، قال تعالى: {وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها}، وقال: {فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم}، وقال: {فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين}، وقال: {فأخذتهم الصيحة مشرقين}.
[9965]:الأخيذ: الأسير المأخوذ، والصبحان: الذي شرب الصبوح، وهو اللبن الذي يشرب في الصباح، وأصل هذا المثل أن رجلا خرج من حيه وقد اصطبح، فلقيه جيش من الأعداء يقصدون قومه، فأخذوه وسألوه عن الحي، فقال: إنما بت في القفر ولا عهد لي بقومي، وبينما هم يتنازعون غلبه البول فبال، فعلموا أنه قد اصطبح وشرب اللبن ولولا ذلك لم يبل، فطعنه واحد منهم في بطنه فبدره اللبن، فمضوا غير بعيد فعثروا على الحي. وفسر الفراء المثل تفسيرا آخر، قال: الأخيذ الصبحان هو الفصيل يقال: أخذ يأخذ أخذا إذا أكثر من شرب اللبن، بأن يتفلت على أمة فيمتك لبنها فيأخذه، أي: يتخم منه، وكذبه أن التخمة تكسبه جوعا كاذبا، فهو لذلك يحرص على اللبن ثانيا.
[9966]:في اللسان (دحض): (الدحض: الزلق، والإدحاض: الإزلاق، وفي حديث الجمعة: كرهت أن أخرجكم فتمشون في الطين والدحض، أي: الزلق).