تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيۡدِيَهُمۡ عَنكُمۡ وَأَيۡدِيَكُمۡ عَنۡهُم بِبَطۡنِ مَكَّةَ مِنۢ بَعۡدِ أَنۡ أَظۡفَرَكُمۡ عَلَيۡهِمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرًا} (24)

وقوله : { وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا } : هذا امتنان من الله على عباده المؤمنين حين كف أيدي المشركين عنهم ، فلم يصل {[26865]} إليهم منهم سوء ، وكفّ أيدي المؤمنين من المشركين فلم يقاتلوهم عند المسجد الحرام ، بل صان كلا من الفريقين ، وأوجد بينهم صلحا فيه خيَرَةٌ للمؤمنين ، وعاقبة لهم في الدنيا والآخرة . وقد تقدم في حديث سلمة بن الأكوع حين جاءوا بأولئك السبعين الأسارى فأوثقوهم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إليهم وقال : " أرسلوهم يكن لهم بدء الفجور وثنَاه " . قال : وفي ذلك أنزل الله : { وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ } الآية .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا حماد ، عن ثابت ، عن أنس بن مالك قال : لما كان يوم الحديبية هبط على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثمانون رجلا من أهل مكة في السلاح ، من قبل جبل التنعيم ، يريدون غرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعا عليهم فأخذوا - قال عفان : فعفا عنهم - ونزلت هذه الآية : { وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ }

ورواه مسلم وأبو داود في سننه ، والترمذي والنسائي في التفسير من سننيهما ، من طرق ، عن حماد بن سلمة ، به{[26866]} .

وقال أحمد - أيضا - : حدثنا زيد بن الحباب ، حدثنا الحسين بن واقد ، حدثنا ثابت البُنَاني ، عن{[26867]} عبد الله بن مُغَفَّل المُزَنِي قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصل الشجرة التي قال الله تعالى في القرآن ، وكان يقع من أغصان تلك الشجرة على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلي بن أبي طالب . وسهلُ بن عمرو بين يديه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي : " اكتب : بسم الله الرحمن الرحيم " ، فأخذ سهل بيده وقال : ما نعرف الرحمن الرحيم . اكتب في قضيتنا ما نعرف . قال : " اكتب باسمك اللهم " ، وكتب : " هذا ما صالح عليه محمد رسول الله أهل مكة " . فأمسك سهل بن عمرو بيده وقال : لقد ظلمناك إن كنت رسوله ، اكتب في قضيتنا ما نعرف . فقال : " اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله " . فبينا نحن كذلك إذ خرج علينا ثلاثون شابا عليهم السلاح ، فثاروا في{[26868]} وجوهنا ، فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذ الله بأسماعهم ، فقمنا إليهم فأخذناهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هل جئتم في عهد أحد ؟ أو : هل{[26869]} جعل لكم أحد أمانا ؟ " فقالوا : لا . فخلى سبيلهم ، فأنزل الله : { وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا } . رواه النسائي من حديث حسين بن واقد ، به {[26870]} .

وقال ابن جرير : حدثنا ابن حُمَيْد ، حدثنا يعقوب القُمّي ، حدثنا جعفر ، عن ابن أبْزَى قال : لما

خرج النبي صلى الله عليه وسلم بالهدي وانتهى إلى ذي الحليفة ، قال له عمر : يا نبي الله ، تدخل على قوم لك حَرْب بغير سلاح ولا كُرَاع ؟ قال : فبعث إلى المدينة ، فلم يدع فيها كراعا ولا سلاحا إلا حمله ، فلما دنا من مكة منعوه أن يدخل ، فسار حتى أتى منى ، فنزل بمنى ، فأتاه عينه أن عكرمة بن أبي جهل قد خرج عليك في خمسمائة ، فقال لخالد بن الوليد : " يا خالد ، هذا ابن عمك أتاك في الخيل{[26871]} ، فقال خالد : أنا سيف الله ، وسيف رسوله - فيومئذ سمي سيف الله - يا رسول الله ، ارم بي أين شئت . فبعثه على خيل ، فلقي عكرمة في الشعب فهزمه حتى أدخله حيطان مكة ، ثم عاد في الثانية فهزمه حتى أدخله حيطان مكة ، ثم عاد في الثالثة فهزمه حتى أدخله حيطان مكة ، فأنزل الله : { وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ [ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ ] } {[26872]} إلى : { عَذَابًا أَلِيمًا } . قال : فكف الله النبي عنهم من بعد أن أظفره {[26873]} عليهم لبقايا من المسلمين كانوا بقوا فيها كراهية أن تطأهم الخيل{[26874]} .

ورواه ابن أبي حاتم عن ابن أبزى بنحوه . وهذا السياق فيه نظر ؛ فإنه لا يجوز أن يكون عام الحديبية ؛ لأن خالدا لم يكن أسلم ؛ بل قد كان طليعة المشركين{[26875]} يومئذ ، كما ثبت في الصحيح . ولا يجوز أن يكون في عمرة القضاء ، لأنهم قاضوه على أن يأتي من العام المقبل{[26876]} فيعتمر ويقيم بمكة ثلاثة أيام ، فلما قدم لم يمانعوه ، ولا حاربوه ولا قاتلوه . فإن قيل : فيكون يوم الفتح ؟ فالجواب : ولا يجوز أن يكون يوم الفتح ؛ لأنه لم يسق عام الفتح هَديًا ، وإنما جاء محاربا مقاتلا في جيش عَرَمْرَم ، فهذا السياق فيه خلل ، قد وقع فيه شيء فليتأمل ، والله أعلم .

وقال ابن إسحاق : حدثني من لا أتهم ، عن عكرمة مولى ابن عباس : أن قريشا بعثوا أربعين رجلا منهم أو خمسين ، وأمروهم أن يطيفوا بعسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصيبوا من أصحابه أحدًا ، فأُخذُوا أخذًا ، فأُتي بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعفا عنهم وخلى سبيلهم ، وقد كانوا رموا إلى {[26877]} عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم {[26878]} بالحجارة والنبل . قال ابن إسحاق : وفي ذلك أنزل الله : { وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ } الآية {[26879]} .

وقال قتادة : ذكر لنا أن رجلا يقال له : " ابن زُنَيْم " اطلع على الثنية من الحديبية ، فرماه المشركون بسهم فقتلوه ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا فأتوه باثني عشر فارسًا من الكفار ، فقال لهم : " هل لكم علي عهد ؟ هل لكم علي ذمة ؟ " . قالوا : لا . فأرسلهم ، وأنزل الله في ذلك : { وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ } الآية .


[26865]:- (1) في ت: "تصل".
[26866]:- (2) المسند (3/122) وصحيح مسلم برقم (1808) وسنن أبي داود برقم (2688) وسنن الترمذي برقم (3264) والنسائي في السنن الكبرى برقم (11510).
[26867]:- (3) في ت: "بن".
[26868]:- (4) في ت، م: "إلى".
[26869]:- (5) في ت: "وهل".
[26870]:- (6) المسند (4/86) والنسائي في السنن الكبرى برقم (11511).
[26871]:- (1) في أ: "الجبل".
[26872]:- (2) زيادة من ت.
[26873]:- (3) في أ: "أظفركم".
[26874]:- (4) تفسير الطبري (26/59).
[26875]:- (5) في أ: "للمشركين".
[26876]:- (6) في ت: "قابل".
[26877]:- (7) في أ: "في".
[26878]:- (8) في ت، م: "عسكر المسلمين".
[26879]:- (9) رواه الطبري في تفسيره (26/59).
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيۡدِيَهُمۡ عَنكُمۡ وَأَيۡدِيَكُمۡ عَنۡهُم بِبَطۡنِ مَكَّةَ مِنۢ بَعۡدِ أَنۡ أَظۡفَرَكُمۡ عَلَيۡهِمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرًا} (24)

{ وهو الذي كف أيديهم عنكم } أي أيدي كفار مكة . { وأيديكم عنهم ببطن مكة } في داخل مكة . { من بعد أن أظفركم عليهم } أظهركم عليهم ، وذلك أن عكرمة بن أبي جهل خرج في خمسمائة إلى الحديبية ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد على جند فهزمهم حتى أدخلهم حيطان مكة ثم عاد . وقيل كان ذلك يوم الفتح واستشهد به على أن مكة فتحت عنوة وهو ضعيف إذ السورة نزلت قبله . { وكان الله بما تعملون } من مقاتلتهم أولا طاعة لرسوله وكفهم ثانيا لتعظيم بيته ، وقرأ أبو عمرو بالياء { بصيرا } فيجازيهم عليه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيۡدِيَهُمۡ عَنكُمۡ وَأَيۡدِيَكُمۡ عَنۡهُم بِبَطۡنِ مَكَّةَ مِنۢ بَعۡدِ أَنۡ أَظۡفَرَكُمۡ عَلَيۡهِمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرًا} (24)

عطف على جملة { وكفّ أيدي الناس عنكم } [ الفتح : 20 ] وهذا كفّ غير الكف المراد من قوله : { وكفَّ أيدي الناس عنكم } .

وتقديم المسند إليه على الخبر الفعلي لإفادة التخصيص ، أي القصر ، أي لم يكفّهم عنكم ولا كفكم عنهم إلا الله تعالى ، لا أنتم ولا هم فإنهم كانوا يريدون الشر بكم وأنتم حين أحطتم بهم كنتم تريدون قتلهم أو أسرهم فإن دواعي امتداد أيديهم إليكم وامتداد أيديكم إليهم متوفرة فلولا أن الله قدّر موانع لهم ولكم لاشتبكتم في القتال ، فكفَّ أيديهم عنكم بأن نبهكم إليهم قبل أن يفاجئوكم وكف أيديكم عنهم حين أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يعفو عنهم ويطلقهم .

وتقدم الكلام على معنى { كف } في قوله آنفاً { وكف أيديَ الناس عنكم } . والمعنى : أنه لم يترك أحد من الفريقين الاعتداء على الفريق الآخر من تلقاء نفسه ولكن ذلك كان بأسباب أوجدها الله تعالى لإرادته عدم القتال بينهم ، وهي منّة ثانية مثل المنة المذكورة في قوله : { وكف أيدي الناس عنكم } .

وهذه الآية أشارت إلى كف عن القتال يسّره الله رفقاً بالمسلمين وإبقاء على قوتهم في وقت حاجتهم إلى ذلك بعد وقعة بدر ووقعة أحد ، واتفق المفسرون الأولون على أن هذا الكف وقع في الحديبية . وهذا يشير إلى ما روي من طرق مختلفة وبعضها في سنن الترمذي وقال : هو حديث صحيح ، وفي بعضها زيَادة على بعض أن جمعاً من المشركين يُقدر بستة أو باثني عشر أو بثلاثين أو سبعين أو ثمانين مسلحين نزلوا إلى الحديبية يريدون أن يأخذوا المسلمين على غرة ففطن لهم المسلمون فأخذوهم دون حرب النبي بإطلاقهم وكان ذلك أيام كان السفراء يمشون بين النبي وبين أهل مكة ولعل النبي أطلقهم تجنباً لما يعكر صفو الصلح .

وضمائر الغيبة راجعة للذين كفروا في قوله : { ولو قاتلكم الذين كفروا } [ الفتح : 22 ] ووجه عوده إليه مع أن الذين كف الله أيديهم فريق غير الفريق الذي في قوله : { ولو قاتلكم الذين كفروا } هو أن عرف كلام العرب جار على أن ما يصدر من بعض القوم ينسب إلى القوم بدون تمييز كما تقدم في سورة البقرة ( 63 ) في قوله : { وإذ أخذنا ميثاقكم } .

وقوله : { ببطن مكة } ظاهر كلام الأساس : أن حقيقة البطن جوف الإنسان والحيوان وأن استعماله في معاني المنخفض من الشيء أو المتوسط مجاز ، قال الراغب : ويقال للجهة السفلى بطن ، وللعليا ظهر . ويقال : بطن الوادي لوسطه . والمعروف من إطلاق لفظ البطن إذا أضيف إلى المكان أن يراد به وسط المكان كما في قول كعب بن زهير :

في فتية من قريش قال قائلهم *** ببطن مكةَ لما أسلموا زُولوا

أي في وسط البلد الحرام فإن قائل : زولوا ، هو عمر بن الخطاب أو حمزة بن عبد المطلب ، غير أن محمل ذلك في هذه الآية غير بيّن لأنه لا يعرف وقوع اختلاط بين المسلمين والمشركين في وسط مكة يفضي إلى القتال حتى يُمتنّ عليهم بكف أيدي بعضهم عن بعض وكل ما وقع مما قد يفضي إلى القتال فإنما وقع في الحديبيّة .

فجمهور المفسّرين حَملوا بطن مكة في الآية على الحديبيّة من إطلاق البطن على أسفل المكان ، والحديبيّة قريبة من مكة وهي من الحِل وبعض أرضها من الحرم وهي على الطريق بين مكة وجدة وهي إلى مكة أقرب وتعرف اليوم باسم الشميسي ، وجعلوا الآية تشير إلى القصة المذكورة في « جامع الترمذي » وغيره بروايات مختلفة وهي ما قدمناه آنفاً . ومنهم من زاد في تلك القصّة : أن جيش المسلمين اتبعوا العدوّ إلى أن دخلوا بيوت مكة وقتلوا منهم وأسروا فيكون بطن مكة محمولاً على مشهور استعماله ، وهذا خبر مضطرب ومناف لظاهر قوله : { كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم } . ومنهم من أبعد المحمل فجعل الآية نازلة في فتح مكة وهذا لا يناسب سياق السورة ويخالف كلام السلف من المفسّرين وهم أعلم بالمقصود ، هذا كلّه بناء على أن الباء في قوله : { ببطن مكة } متعلقة بفعل { كف } ، أي كان الكف في بطن مكة .

ويجوز عندي أن يكون { ببطن مكة } ظرفاً مستقِرّاً هو حال من ضميري { عنكم } و { عنهم } وهو حال مقدرة ، أي لو كنتم ببطن مكة ، أي لو لم يقع الصلح فدخلتم محاربين كما رغب المسلمون الذين كرهوا الصلح كما تقدم فيكون إطلاق { بطن مكة } جارياً على الاستعمال الشائع ، أي في وسط مدينة مكة . ولهذا أوثرت مادة الظفر في قوله : { من بعد أن أظفركم عليهم } دون أن يقال : من بعد أن نصركم عليهم ، لأن الظفر هو الفوز بالمطلوب فلا يقتضي وجود قتال فالظفر أعم من النصر ، أي من بعد أن أنالكم ما فيه نفعكم وهو هدنة الصلح وأن تعودوا إلى العمرة في العام القابل .

ومناسبة تعريف ذلك المكان بهذه الإضافة الإشارة إلى أن جمع المشركين نزلوا من أرض الحرم المكي إذ نزلوا من جبل التنعيم وهو من الحرم وكانوا أنصاراً لأهل مكة .

ويتعلّق قوله : { من بعد أن أظفركم عليهم } بفعل { كف } باعتبار تعديته إلى المعطوف على مفعوله ، أعني : { وأيديكم عنهم } لأنه هو الكف الذي حصل بعد ظفر المسلمين بفئة المشركين عل حسب تلك الرواية والقرينة ظاهرة من قوله : { من بعد أن أظفركم عليهم } . وهذا إشارة إلى أن كف أيدي بعضهم عن بعض كان للمسلمين إذا مَنُّوا على العدوّ بعد التمكن منه . فعُدي { أظفركم } ب ( على ) لتضمينه معنى أيَّدَكُم وإلا فحقه أن يعدى بالباء .

وجملة { وكان اللَّه بما تعملون بصيراً } تذييل للتي قبلها ، والبصير بمعنى العليم بالمرئيّات ، أي عليماً بعملكم حين أحطتم بهم وسُقتموهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم تظنون أنكم قاتلوهم أو آسروهم .

وقرأ الجمهور { تعملون } بتاء الخطاب . وقرأه أبو عمرو وحده بياء الغيبة ، أي عليماً بما يعملون من انحدارهم على غرة منكم طامعين أن يتمكنوا من أن يغلبوكم وفي كلتا القراءتين اكتفاء ، أي كان الله بما تعملون ويعملون بصيرا ، أو بما يعملون وتعملون بصيرا ، لأن قوله : { كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم } يفيد عملاً لكل فريق ، أي علم نواياكم فكفها لحكمة استبقاء قوتكم وحسن سمعتكم بين قبائل العرب وأن لا يجد المشركون ذريعة إلى التظلم منكم بالباطل .