تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَن يُرۡسِلَ ٱلرِّيَاحَ مُبَشِّرَٰتٖ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحۡمَتِهِۦ وَلِتَجۡرِيَ ٱلۡفُلۡكُ بِأَمۡرِهِۦ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (46)

يذكر تعالى نعَمه على خلقه ، في إرساله الرياح مبشرات بين يدي رحمته ، بمجيء الغيث{[22883]} عقيبها ؛ ولهذا قال : { وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ } أي : المطر الذي ينزله فيحيي به العباد والبلاد ، { وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ } أي : في البحر ، وإنما سيرها بالريح ، { وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ } أي : في التجارات والمعايش ، والسير من إقليم إلى إقليم ، وقطر إلى قطر ، { وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي : تشكرون الله على ما أنعم به عليكم من النعم الظاهرة والباطنة ، التي لا تعد ولا تحصى .


[22883]:- في ت، ف: "بمجيء المطر والغيث".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَن يُرۡسِلَ ٱلرِّيَاحَ مُبَشِّرَٰتٖ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحۡمَتِهِۦ وَلِتَجۡرِيَ ٱلۡفُلۡكُ بِأَمۡرِهِۦ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (46)

{ ومن آياته أن يرسل الرياح } الشمال والصبا والجنوب فإنها رياح الرحمة وأما الدبور فريح العذاب ، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام " اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا " وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي " الريح " على إرادة الجنس . { مبشرات } بالمطر . { وليذيقكم من رحمته } يعني المنافع التابعة لها ، وقيل الخصب التابع لنزول المطر المسبب عنها أو الروح الذي هو مع هبوبها والعطف على علة محذوفة دل عليها { مبشرات } أو عليها باعتبار المعنى ، أو على { يرسل } بإضمار فعل معلل دل عليه . { ولتجري الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله } يعني تجارة البحر . { ولعلكم تشكرون } ولتشكروا نعمة الله تعالى فيها .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَن يُرۡسِلَ ٱلرِّيَاحَ مُبَشِّرَٰتٖ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحۡمَتِهِۦ وَلِتَجۡرِيَ ٱلۡفُلۡكُ بِأَمۡرِهِۦ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (46)

ثم ذكر تعالى من آياته أشياء يقضي كل عقل بأنها لا مشاركة للأوثان فيها وهو ما في الريح من المنافع وذلك أنها بشرى بالمطر ، ويذيق الله بها المطر ويلقح بها الشجر وغير ذلك ويجري بها السفن في البحر ويبتغي الناس بها فضل الله في التجارات في البحر وفي ذرو الأطعمة وغير ذلك .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَن يُرۡسِلَ ٱلرِّيَاحَ مُبَشِّرَٰتٖ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحۡمَتِهِۦ وَلِتَجۡرِيَ ٱلۡفُلۡكُ بِأَمۡرِهِۦ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (46)

عود إلى تعداد الآيات الدالة على تفرده بالإلهية فهو عطف على جملة { ومن ءاياته أن تقوم السماء والأرض بأمره } [ الروم : 25 ] وما تخلل بينهما من أفانين الاستدلال على الوحدانية والبعث ومن طرائق الموعظة كان لتطرية نشاط السامعين لهذه الدلائل الموضّحة المبينة . والإرسال مستعار لتقدير الوصول ، أي يُقدر تكوين الرياح ونظامها الذي يوجهها إلى بلد محتاج إلى المطر .

والمبشرات : المؤذنة بالخير وهو المطر . وأصل البشارة : الخبر السارّ . شبهت الرياح برسل موجهة بأخبار المسرّة . وتقدم ذكر البشارة عند قوله تعالى : { وبشر الذين ءامنوا وعملوا الصالحات } في سورة البقرة ( 25 ) ، وقوله { وإذا بُشِّر أحدُهم بالأنثى } في سورة النحل ( 58 ) ، وذلك أن الرياح تسوق سحاب المطر إلى حيث يمطر . وتقدم الكلام على الرياح في آيات كثيرة منها قوله تعالى { وتصريف الرياح } في سورة البقرة ( 164 ) وعلى { كونها لواقح } في سورة الحجر ( 22 ) .

وقوله { وليذيقكم } عطف على { مُبشرات } لأن { مبشرات } في معنى التعليل للإرسال . وتقدم الكلام على الإذاقة آنفاً .

و { من رحمته } صفة لموصوف محذوف دل عليه فعل { ليذيقكم } أي : مذوقاً . و { مِن } ابتدائية ، ورحمة الله : هي المطر .

وجريان الفلك بالرياح من حكمة خلق الرياح ومن نعمه ، وتقدم في آية سورة البقرة ( 164 ) .

والتقييد بقوله { بأمره } تعليم للمؤمنين وتحقيق للمِنة ، أي : لولا تقدير الله ذلك وجعله أسباب حصوله لما جرت الفلك ، وتحت هذا معان كثيرة يجمعها إلهام الله البشر لصنع الفلك وتهذيب أسباب سيرها . وخلق نظام الريح والبحر لتسخير سيرها كما دل على ذلك قوله { ولعلكم تشكرون } وقد تقدم ذلك في سورة الحج ( 36 ) ، وتقدم هنالك معنى { لتبتغوا من فضله } .