تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قِيلَ يَٰنُوحُ ٱهۡبِطۡ بِسَلَٰمٖ مِّنَّا وَبَرَكَٰتٍ عَلَيۡكَ وَعَلَىٰٓ أُمَمٖ مِّمَّن مَّعَكَۚ وَأُمَمٞ سَنُمَتِّعُهُمۡ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٞ} (48)

[ وقوله ]{[14647]} : { قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا [ وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ ]

يخبر تعالى عما قيل لنوح ، عليه السلام ، حين أرست السفينة على الجوديّ ، من السلام عليه ، وعلى من معه من المؤمنين ، وعلى كل مؤمن من ذريته إلى يوم القيامة ، كما قال محمد بن كعب : دخل في هذا السلام كلّ مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة ، وكذلك في العذاب والمتاع كل كافر وكافرة إلى يوم القيامة .

وقال محمد بن إسحاق : ولما أراد أن يكف{[14648]} الطوفان أرسل ريحا على وجه الأرض ، فسكن الماء ، وانسدت ينابيع الأرض الغمر الأكبر{[14649]} وأبواب السماء ، يقول الله تعالى{[14650]} : { وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ [ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ] } {[14651]}

فجعل الماء ينقص ويَغيض ويُدْبِرُ ، وكان استواء الفلك على الجودي ، فيما يزعم أهل التوراة ، في الشهر السابع لسبع عشرة ليلة مضت منه ، وفي أول يوم من الشهر العاشر ، رُئي رءوس الجبال . فلما مضى بعد ذلك أربعون يومًا ، فتح نوح كُوّة الفُلْك التي ركب{[14652]} فيها ، ثم أرسل الغرابَ لينظر له ما صنع الماء ، فلم يرجع إليه . فأرسل الحمامة فرجعت إليه ، لم تجد لرجليها موضعا ، فبسط يده للحمامة فأخذها فأدخلها . ثم مضى{[14653]} سبعة أيام ، ثم أرسلها لتنظر له . فرجعت حين أمست ، وفي فيها وَرَق زيتون{[14654]} فعلم نوح أن الماء قد قَلّ عن وجه الأرض . ثم مكث سبعة أيام ، فلم ترجع ، فعلم نوح أن الأرض قد بَرَزَت ، فلما كملت السنة فيما بين أن أرسل الله الطوفان إلى أن أرسل نوح الحمامة ، ودخل يوم واحد من الشهر الأول من سنة اثنتين ، برز وجه الأرض ، وظهر اليَبَس{[14655]} وكشف نوح غطاء الفلك ورأى وجه الأرض ، وفي الشهر الثاني من سنة اثنتين ، في سبع وعشرين ليلة منه { قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا [ وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ ] } {[14656]} [ إلى آخر ]{[14657]} الآية{[14658]} .


[14647]:- زيادة من ت.
[14648]:- في ت : "يكف ذلك".
[14649]:- قال الأستاذ محمود شاكر في حاشيته على الطبري (15/239) : "هكذا في المخطوطة والمطبوعة : "الغمر الأكبر". وأنا أرجح أنه خطأ محض ، وأن الصواب : "الغوط الأكبر" وبهذا اللفظ رواه صاحب اللسان في مادة (غوط)".
[14650]:- في ت ، أ : "يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم".
[14651]:- زيادة من ت ، أ ، وفي هـ : "الآية".
[14652]:- في ت ، أ : "صنع".
[14653]:- في ت ، أ : "مضت".
[14654]:- في ت : "زيتونة".
[14655]:- في ت : "النسر" ، وفي أ : "البشر".
[14656]:- زيادة من ت ، أ.
[14657]:- زيادة من ت ، أ.
[14658]:- تفسير الطبري (15/338).
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قِيلَ يَٰنُوحُ ٱهۡبِطۡ بِسَلَٰمٖ مِّنَّا وَبَرَكَٰتٍ عَلَيۡكَ وَعَلَىٰٓ أُمَمٖ مِّمَّن مَّعَكَۚ وَأُمَمٞ سَنُمَتِّعُهُمۡ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٞ} (48)

{ قيل يا نوح اهبط بسلام منا } انزل من السفينة مسلما من المكاره من جهتنا أو مسلما عليك . { وبركات عليك } ومباركا عليك أو زيادات في نسلك حتى تصير آدما ثانيا . وقرئ { اهبط } بالضم " وبركة " على التوحيد وهو الخير النامي . { وعلى أمم ممّن معك } وعلى أمم هم الذين معك ، سموا أمما لتحزبهم أو لتشعب الأمم منهم ، أو وعلى أمم ناشئة ممن معك والمراد بهم المؤمنون لقوله : { وأمم سنمتّعهم } أي وممن معك أمم سنمتعهم في الدنيا . { ثم يمسّهم منا عذاب أليم } في الآخرة والمراد بهم الكفار من ذرية من معه . وقيل هم قوم هود وصالح ولوط وشعيب ، والعذاب ما نزل بهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قِيلَ يَٰنُوحُ ٱهۡبِطۡ بِسَلَٰمٖ مِّنَّا وَبَرَكَٰتٍ عَلَيۡكَ وَعَلَىٰٓ أُمَمٖ مِّمَّن مَّعَكَۚ وَأُمَمٞ سَنُمَتِّعُهُمۡ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٞ} (48)

وقوله تعالى : { قيل يا نوح اهبط بسلام } كان هذا عند نزوله من السفينة مع أصحابه للانتشار في الأرض ، و «السلام » هنا السلامة والأمن ونحوه ، و «البركات » الخير والنمو في كل الجهات ، وهذه العدة تعم جميع المؤمنين إلى يوم القيامة ، قاله محمد بن كعب القرظي{[6383]} ؛ وقوله { ممن معك } أي من ذرية من معك ومن نسلهم ، ف { مَنْ } - على هذا - هي لابتداء الغاية ، أي من هؤلاء تكون هذه الأمم ، و { من } موصولة ، وصلتها { معك } وما يتقدر معها نحو قولك : ممن استقر معك ونحوه ، ثم قطع قوله : { وأمم } على وجه الابتداء إذ كان أمرهم مقطوعاً من الأمر الأول ، وهؤلاء هم الكفار إلى يوم القيامة .


[6383]:- هو محمد بن كعب بن سليم بن عمرو وأبو حمزة، ويقال: أبو عبد الله، القرظي، تابعي، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: رآه. نزل الكوفة، ثم رجع إلى المدينة، روى عن عائشة وأبي هريرة وغيرهما- رضي الله عنهم-، ووردت عنه الرواية في حروف القرآن، قال عون بن عبد الله: ما رأيت أحدا أعلم بتأويل القرآن من القرظي، توفي سنة 108هـ. (طبقات القراء).