فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قِيلَ يَٰنُوحُ ٱهۡبِطۡ بِسَلَٰمٖ مِّنَّا وَبَرَكَٰتٍ عَلَيۡكَ وَعَلَىٰٓ أُمَمٖ مِّمَّن مَّعَكَۚ وَأُمَمٞ سَنُمَتِّعُهُمۡ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٞ} (48)

القائل : هو الله ، أو الملائكة { قِيلَ يا نوح اهبط } أي : انزل من السفينة إلى الأرض ، أو من الجبل إلى المنخفض من الأرض ، فقد بلعت الأرض ماءها ، وجفت { بسلام منَّا } أي : بسلامة وأمن ، وقيل : بتحية { وبركات } أي : نعم ثابتة ، مشتق من بروك الجمل ، وهو ثبوته ، ومنه البركة لثبوت الماء فيها ، وفي هذا الخطاب له دليل على قبول توبته ومغفرة زلته { وعلى أُمَمٍ ممَّن مَعَكَ } أي : ناشئة ممن معك ، وهم المتشعبون من ذرية من كان معه في السفينة . وقيل : أراد من في السفينة ، فإنهم أمم مختلفة ، وأنواع من الحيوانات متباينة . قيل : أراد الله سبحانه بهؤلاء الأمم الذين كانوا معه من صار مؤمناً من ذريتهم ، وأراد بقوله : { وَأُمَم سَنُمَتّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ منَّا عَذَاب أَلِيم } من صار كافراً من ذريتهم إلى يوم القيامة ، وارتفاع أمم في قوله : { وَأُمَم سَنُمَتّعُهُمْ } على أنه خبر مبتدأ محذوف : أي : ومنهم أمم . وقيل : على تقدير : ويكون أمم . وقال الأخفش : هو كما تقول : كلمت زيداً وعمرو جالس ، وأجاز الفراء في غير القراءة وأمماً سنمتعهم : أي : ونمتع أمماً ، ومعنى الآية : وأمم سنمتعهم في الدنيا بما فيها من المتاع ، ونعطيهم منها ما يعيشون به ، ثم يمسهم منا في الآخرة عذاب أليم . وقيل : يمسهم إما في الدنيا أو في الآخرة .

/خ49