فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قِيلَ يَٰنُوحُ ٱهۡبِطۡ بِسَلَٰمٖ مِّنَّا وَبَرَكَٰتٍ عَلَيۡكَ وَعَلَىٰٓ أُمَمٖ مِّمَّن مَّعَكَۚ وَأُمَمٞ سَنُمَتِّعُهُمۡ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٞ} (48)

{ قيل يا نوح } القائل هو الله أو الملائكة { اهبط } أي أنزل من السفينة إلى الأرض أو من الجبل إلى المنخفض منها فقد بلعت الأرض ماءها وجفت { بسلام منا } أي بسلامة وأمن .

وقيل بتحية وعظمة كما قال { سلام على نوح في العالمين } وذلك أن الغرق لما كان عاما في جميع الأرض فعندما خرج من السفينة علم أنه ليس في الأرض شيء ينتفع به من النبات والحيوان فكان كالخائف في أنه كيف يعيش وكيف يدفع جهات الحاجات عن نفسه من المأكول والمشروب فلما قال الله ذلك زال عنه الخوف لأن السلامة لا تكون إلا مع الأمن وسعة الرزق .

ثم أردفه الله تعالى بالبركة بقوله { وبركات } أي خيرات نامية ونعم ثابتة باقية دائمة في نسلك وما يقوم به معاشك ومعاشهم من أنواع الأرزاق والبركة مشتق من بروك الجمل وهو ثبوته ومنه البركة لثبوت الماء فيها { عليك } وفي هذا الخطاب دليل على قبول توبته ومغفرة زلته وخلاصه من الخسران وإعلام وبشارة من الله تعالى بفيضان أنواع الخيرات عليه في كل ما يأتي وما يذر .

{ وعلى أمم } ناشئة وهم المتشعبون { ممن معك } أي من ذرية من كان معك في السفينة وهي الأمم إلى آخر الدهر قيل الذين كانوا معه في السفينة لم يعقب أحد منهم إلا أولاد نوح الثلاثة فانحصر النوع الإنساني بعد نوح في ذريته ولذلك يقال أنه آدم الصغير وقد كان بينه وبين آدم ألف سنة وثمانية أجداد .

فالمراد بهذه الآية تقسيم ذرية أولاد نوح على فريق مؤمن وفريق كافر لا تقسيم من كان معه في السفينة إذ كانوا كلهم مؤمنين قال أبو السعود : ويجوز أن تكون من بيانية أي وعلى أمم هم الذين معك ، وإنما سموا أمما لأنهم أمم متحزبة وجماعات متفرقة أو لأن جميع الأمم إنما تشعبت منهم فحينئذ يكون المراد بالأمم المشار إليهم في قوله { وأمم سنمتعهم } بعض الأمم المتشعبة منهم وهي الأمم الكافرة المتناسلة منهم إلى يوم الدين ويبقى أمر الأمم المؤمنة الناشئة منهم مبهما غير متعرض له ولا مدلول عليه ومع ذلك ففي دلالة المذكور على خبره المحذوف خفاء ، لأن من المذكورة بيانية والمحذوفة تبعيضية أو ابتدائية فتأمل 1ه .

قيل أراد الله سبحانه بهذا الأمم الذين كنوا معه من صار مؤمنا من ذريتهم وأراد بقوله وأمم سنمتعهم من صار كافرا من ذريتهم إلى يوم القيامة ، والتقدير ومنهم أمم أو يكون أمم والمعنى سنمتعهم في الدنيا بما فيها من المتاع ونعطيهم منها ما يعيشون به { ثم يمسهم منا } في الآخرة أو في الدنيا { عذاب أليم } وعن الضحاك قال : وعلى أمم ممن معك يعني ممن لم يولد أوجب الله لهم البركات لما سبق لهم في علم الله من السعادة وأمم سنمتعهم يعني متاع الحياة الدنيا لما سبق لهم في علم الله من الشقاوة .

قال محمد ابن كعب القرظي : دخل في ذلك السلام والبركات كل مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة ، ودخل في ذلك العذاب الأليم كل كافر وكافرة إلى يوم القيامة وعن ابن زيد : هبطوا والله راض عنهم ثم أخرج منهم نسلا منهم من رحم الله ومنهم من عذب ، وقيل المراد بالأمم الممتعة قوم هود وصالح ولوط وشعيب وبالعذاب ما نزل بهم ، وإلى هنا انتهت قصة نوح عليه السلام .