تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَقۡرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمۡ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعۡلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغۡتَسِلُواْۚ وَإِن كُنتُم مَّرۡضَىٰٓ أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوۡ جَآءَ أَحَدٞ مِّنكُم مِّنَ ٱلۡغَآئِطِ أَوۡ لَٰمَسۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمۡ تَجِدُواْ مَآءٗ فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدٗا طَيِّبٗا فَٱمۡسَحُواْ بِوُجُوهِكُمۡ وَأَيۡدِيكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا} (43)

ينهى تعالى عباده المؤمنين عن فعل الصلاة في حال السُّكْرِ ، الذي لا يدري معه المصلي ما يقول ، وعن قربان محلها - وهي المساجد - للجُنُب ، إلا أن يكون مجتازا من باب إلى باب من غير مُكْثٍ وقد كان هذا قبل تحريم الخمر ، كما دل الحديث الذي ذكرناه في سورة البقرة ، عند قوله [ تعالى ]{[7531]} { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ [ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ ]{[7532]} } الآية [ البقرة : 219 ] ؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلاها على عمر ، فقال : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا . فلما نزلت هذه الآية ، تلاها عليه ، فقال : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا . فكانوا لا يشربون الخمر في أوقات الصلوات{[7533]} فلما نزل{[7534]} قوله [ تعالى ]{[7535]} { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنْصَابُ وَالأزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } إلى قوله : { فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } [ المائدة : 90 ، 91 ] فقال عمر : انتهينا ، انتهينا .

وفي رواية إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو - وهو ابن شُرَحبيل - عن عُمَرَ بْنِ الْخطَّاب في قصة تحريم الخمر ، فذكر الحديث وفيه : فنزلت الآية التي في ] سورة[ {[7536]} النساء : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ } فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قامت{[7537]} الصلاة ينادي : ألا يَقْرَبَنَّ الصلاة سكران . لفظ أبي داود .

وذكروا في سبب نزول هذه الآية ما رواه ابن أبي حاتم{[7538]} .

حدثنا يونس بن حبيب ، حدثنا أبو داود ، حدثنا شُعْبَة ، أخبرني سِمَاكُ بن حَرْبٍ قال : سمعت مُصْعَبَ بنَ سَعْدٍ يحدث عن سعد قال : نزلت في أربعُ آيات : صنع رجل من الأنصار طعاما ، فدعا أناسا من المهاجرين وأناسا من الأنصار ، فأكلنا وشربنا حتى سَكرْنا ، ثم افتخرنا فرفع رجل لَحْي بعير فَفَزَر{[7539]} بها أنف سعد ، فكان سعد مَفْزور{[7540]} الأنف ، وذلك قبل أن تحرم الخمر ، فنزلت : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى } الآية .

والحديث بطوله عند مسلم من رواية شُعْبة . ورواه أهلُ السُّنَن إلا ابنَ ماجه ، من طُرُق عن سِماكٍ به{[7541]} .

سبب آخر : قال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عمَّار ، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الدَّشْتَكي ، حدثنا أبو جعفر عن عطاء بن السائب ، عن أبي عبد الرحمن السّلَمي ، عن علي بن أبي طالب قال : صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاما ، فدعانا وسقانا من الخمر ، فأخذت الخمر منا ، وحضرتِ الصلاةُ فقدَّموا فلانا - قال : فقرأ : قل يا أيها الكافرون ، ما أعبد ما تعبدون ، ونحن نعبد ما تعبدون . [ قال ]{[7542]} فأنزل الله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ }

هكذا رواه ابن أبي حاتم ، وكذا رواه الترمذي عن عبد{[7543]} بن حُمَيْدٍ ، عن عبد الرحمن الدَّشْتَكي ، به ، وقال : حسن صحيح{[7544]} .

وقد رواه ابن جرير ، عن محمد بن بشار ، عن عبد الرحمن بن مَهْدي ، عن سفيانَ الثوري ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي عبد الرحمن ، عن علي ؛ أنه كان هو وعبد الرحمن ورجل آخر شربوا الخمر ، فصلى بهم عبد الرحمن فقرأ : { قُلْ [ يَا ]{[7545]} أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } فخلط فيها ، فنزلت : { لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى } .

وهكذا رواه أبو داود والنسائي ، من حديث الثوري ، به . {[7546]}

ورواه ابن جَرِير أيضا ، عن ابن حُمَيْدٍ ، عن جَرِيرٍ ، عن عطاء ، عن أبي عبد الله السَّلَمِيّ قال : كان عَلِيٌّ في نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في بيت عبد الرحمن بن عوف ، فطعموا فآتاهم بخمر فشربوا منها ، وذلك قبل أن يحرم{[7547]} الخمر ، فحضرت الصلاة فَقَدَّموا عليًا فقرأ بهم : { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } فلم يقرأها كما ينبغي ، فأنزل الله عز وجل : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى }

ثم قال : حدثني المُثَنَّى ، حدثنا الحجَّاج بن المِنْهال ، حدثنا حَمَّاد ، عن عطاء بن السائب ، عن عبد الله بن حبيب - وهو أبو عبد الرحمن السَّلَمي ؛ أن عبد الرحمن بن عَوْفٍ صنع طعامًا وشرابا ، فدعا نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بهم المغرب ، فقرأ : قل يا أيها الكافرون . أعبد ما تعبدون . وأنتم عابدون ما أعبد . وأنا عابد ما عبدتم . لكم دينكم ولي دين . فأنزل الله ، عز وجل ، هذه الآية : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ }{[7548]} .

وقال الْعَوْفِي عن ابن عباس في قوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى [ حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ]{[7549]} } وذلك أن رجالا كانوا يأتون الصلاة وهم سُكَارَى ، قبل أن تحرم الخمر ، فقال الله : { لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى } الآية . رواه ابن جرير . وكذا قال أبو رَزِين ومُجَاهدٌ . وقال عبد الرزاق ، عن معمر عن قتادة : كانوا يجتنبون السُّكْرَ عند حضور الصلوات ثم نسخ بتحريم الخمر .

وقال الضَّحَّاكُ في قوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى } لم يعن بها سُكْرَ الخمر ، وإنما عنى بها سُكْرَ النوم . رواه ابن جرير وابن أبي حاتم .

ثم قال ابن جرير : والصواب أن المراد سُكْر الشراب . قال : ولم يتوجه النهي إلى السكْران الذي لا يفهم الخطاب ؛ لأن ذاك في حكم المجنون ، وإنما خُوطِب بالنهي الثَّمِل الذي يفهم التكليف{[7550]} .

وهذا حاصل ما قاله . وقد ذكره غير واحد من الأصوليين ، وهو أن الخطاب يتوجه إلى من يفهم الكلام ، دون السكران الذي لا يدري ما يقال له ؛ فإن الفهم شرط التكليف . وقد يحتمل أن يكون المراد التعريض بالنهي عن السُّكْر بالكلية ؛ لكونهم مأمورين بالصلاة في الخمسة الأوقات من الليل والنهار ، فلا يتمكن شارب الخمر من أداء الصلاة في أوقاتها دائما ، والله أعلم . وعلى هذا فيكون كقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } [ آل عمران : 102 ] وهو الأمر لهم بالتأهب للموت على الإسلام والمداومة على الطاعة لأجل ذلك .

وقوله : { حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ } هذا أحسن ما يقال في حد السكران : إنه الذي لا يدري ما يقول{[7551]} فإن المخمور{[7552]} فيه تخليط في القراءة وعدم تدبره{[7553]} وخشوعه فيها ، وقد قال الإمام أحمد :

حدثنا عبد الصمد ، حدثنا أبي ، حدثنا أيوب ، عن أبي قِلابةَ ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نعس أحدكم وهو يصلي ، فلينصرف فليتم حتى يعلم ما يقول . انفرد بإخراجه البخاري دون مسلم ، ورواه هو والنسائي من حديث أيوب ، به{[7554]} وفي بعض ألفاظ الحديث{[7555]} فلعله يذهب يستغفر فيسُبّ نفسه .

وقوله : { وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا } قال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عمار ، حدثنا عبد الرحمن الدَّشْتَكي ، أخبرنا أبو جعفر الرازي عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار ، عن ابن عباس في قوله : { وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا } قال : لا تدخلوا المسجد وأنتم جنب إلا عابري سبيل ، قال : تمر{[7556]} به مرًّا ولا تجلس . ثم قال : ورُوي عن عبد الله بن مسعود ، وأنس ، وأبي عُبَيْدَةَ ، وسعيد بن المُسَيَّبِ ، وأبي الضُّحَى ، وعطاء ، ومُجَاهد ، ومسروق ، وإبراهيم النَّخَعي ، وزيد بن أسلم ، وأبي مالك ، وعَمْرو بن دينار ، والحكم بن عُتَيْبَة{[7557]} وعِكْرِمَة ، والحسن البصري ، ويَحْيَى بن سعيد الأنصاري ، وابن شهاب ، وقتادَة ، نحوُ ذلك .

وقال ابن جرير : حدثني المُثَنَّى ، حدثنا أبو صالح ، حدثني اللَّيْثُ ، حدثني يَزِيدُ بن أبي حَبِيبٍ عن قول الله عز وجل{[7558]} { وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ } أن رجالا من الأنصار كانت أبوابهم في المسجد ، فكانت تصيبهم الجنابة ولا ماء عندهم ، فيردون الماء ولا يجدون ممرا إلا في المسجد ، فأنزل الله : { وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ }

ويشهد لصحة ما قاله يزيد بن أبي حَبِيبٍ ، رحمه اللهُ ، ما ثبت في صحيح البخاري : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " سُدُّوا كل خَوخة في المسجد إلا خَوخةَ أبي بكر " {[7559]} .

وهذا قاله في آخر حياته صلى الله عليه وسلم ، علما منه أن أبا بكر ، رضي الله عنه ، سيلي الأمر بعده ، ويحتاج إلى الدخول في المسجد كثيرا للأمور المهمة فيما يصلح للمسلمين ، فأمر بسد الأبواب الشارعة إلى المسجد إلا بابه ، رضي الله عنه . ومن روى : " إلا باب علي " كما وقع في بعض السنن ، فهو خطأ ، والصحيح . ما ثبت في الصحيح . ومن هذه الآية احتج كثير من الأئمة على أنه يحرم على الجنب اللبث في المسجد ، ويجوز له المرور ، وكذا الحائض والنفساء أيضًا في معناه ؛ إلا أن بعضهم قال : يمنع مرورهما لاحتمال التلويث . ومنهم من قال : إن أمنت كل واحدة منهما التلويث في حال المرور جاز لهما المرور وإلا فلا .

وقد ثبت في صحيح مسلم عن عائشة ، رضي الله عنها قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ناوليني الخُمْرة من المسجد " فقلت : إني حائض . فقال : " إن حيضتك ليست في يدك " . وله عن أبي هريرة مثله{[7560]} ففيه دلالة على جواز مرور الحائض في المسجد ، والنفساء في معناها والله أعلم .

وروى أبو داود من حديث أفْلَتَ بن خليفة{[7561]} العامري ، عن جَسْرة بنت دجاجة ، عن عائشة ] رضي الله عنها[ {[7562]} قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني لا أحلّ المسجد لحائض ولا جنبٍ " {[7563]} قال أبو مسلم الخَطَّابي : ضَعَّف هذا الحديث جماعة وقالوا : أفلت مجهول . لكن رواه ابن ماجه من حديث أبي الخطاب الهَجَري ، عن مَحْدوج{[7564]} الذهلي ، عن جَسْرة ، عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، به . قال أبو زرعة الرازي : يقولون : جسْرة عن أم سلمة . والصحيح جسرة عن عائشة .

فأما ما رواه أبو عيسى الترمذي ، من حديث سالم بن أبي حفصة ، عن عطية ، عن أبي سعيد الخُدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا علي ، لا يحل لأحد أن يُجْنب في هذا المسجد غيري وغيرك . إنه حديث ضعيف لا يثبت ؛ فإن سالما هذا متروك ، وشيخه عطية ضعيف{[7565]} والله أعلم .

قول آخر في معنى الآية : قال ابن أبي حاتم : حدثنا المنذر بن شاذان ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، أخبرني ابن أبي ليلى ، عن المنهال ، عن زِرّ بن حُبَيش ، عن علي : { وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ } قال : لا يقرب الصلاة ، إلا أن يكون مسافرا تصيبه الجنابة ، فلا يجد الماء فيصلي حتى يجد الماء .

ثم رواه من وجه آخر ، عن المنهال بن عمرو ، عن زِرّ ، عن علي بن أبي طالب ، فذكره . قال : ورُوي عن ابن عباس في إحدى الروايات وسعيد بن جبير ، والضحاك ، نحو ذلك .

وقد روى ابن جَرير من حديث وَكِيع ، عن ابن أبي ليلى ، عن المِنْهال ، عن عَبّادِ بن عبدِ اللهِ أو عن زر بن حُبَيش - عن علي فذكره . ورواه من طريق الْعَوْفي وأبي مِجْلَزِ ، عن ابن عباس ، فذكره . ورواه عن سعيد بن جُبَيْرٍ ، وعن مجاهد ، والحسن بن مُسْلِمٍ ، والحكم بن عُتَيْبَةَ وزيدِ بن أَسْلَمَ ، وابنِهِ عبد الرَّحمنِ ، مثل ذلك ، وروي من طريق ابن جُرَيْج ، عن عبد الله بن كَثِير قال : كنَّا نسمع أنه في السفر .

ويُسْتَشهد لهذا القول بالحديث الذي رواه الإمام أحمد وأهل السنن ، من حديث أبي قِلابة ، عن عَمْرو بن بُجْدَان عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الصعيدُ الطَّيِّب طَهُورُ المسلم ، وإن لم تجد{[7566]} الماء عشر حججٍ ، فإذا وجدت الماء فأمْسسْه بشرتَك فإن ذلك خير " {[7567]} .

ثم قال{[7568]} ابن جرير - بعد حكايته القولين - : والأوْلَى قول من قال : { وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ } إلا مجتازي طريق فيه . وذلك أنه قد بين حكم المسافر إذا عدم الماء وهو جنب في قوله : أو { وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنْكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا{[7569]} } [ المائدة : 6 ] إلى آخره . فكان معلوما بذلك أن قوله : { وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا } لو كان معنيا به المسافر ، لم يكن لإعادة ذكره في قوله : { وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ } معنى مفهوم ، وقد مضى حكم ذكره قبل ذلك ، فإذا كان ذلك كذلك ، فتأويل الآية : يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا المساجد للصلاة مصلين فيها وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ، ولا تقربوها أيضا جنبا حتى تغتسلوا ، إلا عابري سبيل . قال : والعابر{[7570]} السبيل : المجتاز مَرّا وقطعا . يقال منه : " عبرت هذا الطريق فأنا أعبُره عبرا وعبورا " ومنه قيل : " عبر فلان النهر " إذا قطعه وجاوزه . ومنه قيل للناقة القوية على الأسفار : هي عُبْرُ أسفار وعَبْر أسفار ؛ لقوتها على قطع الأسفار .

وهذا الذي نصره هو قولُ الجمهور ، وهو الظاهر من الآية ، وكأنه تعالى نهى عن تعاطي الصلاة على هيئة ناقصة تناقض مقصودها ، وعن الدخول إلى محلها على هيئة ناقصة ، وهي الجنابة المباعدة للصلاة ولمحلها أيضا ، والله أعلم .

وقوله : { حَتَّى تَغْتَسِلُوا } دليل لما ذهب إليه الأئمة الثلاثة : أبو حنيفة ومالك والشافعي : أنه يحرم على الجنب المكث في المسجدِ حتى يغتسل أو يتيمم ، إن عدم الماء ، أو لم يقدر على استعماله بطريقة . وذهب الإمام أحمد إلى أنه متى توضأ الجنب جاز له المكث في المسجدِ ، لما روى{[7571]} هو وسعيد بن منصور في سننه بإسناد صحيح : أن الصحابة كانوا يفعلون ذلك ؛ قال سعيد بن منصور :

حدثنا عبد العزيز بن محمد - هو{[7572]} الدرَاوَرْدِي - عن هِشَام بنِ سَعْدٍ ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يَسَار قال : رأيت رجالا{[7573]} من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلسون في المسجد وهم مجنبون{[7574]} إذا توضؤوا وضوء الصلاة ، وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم ، فالله{[7575]} أعلم .

وقوله : { وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا } أما المرض المبيح للتيمم ، فهو الذي يخاف معه من استعمال الماء فواتُ عضو أو شَيْنه أو تطويل البُرء . ومن العلماء من جَوّز التيمم بمجرد المرض لعموم الآية . وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو غسَّان مالكُ بن إسماعيل ، حدثنا قيس عن خَصِيف{[7576]} عن مجاهد في قوله : { وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى } قال : نزلت في رجل من الأنصار ، كان مريضا فلم يستطع أن يقوم فيتوضأ ، ولم يكن له خادم فيناوله ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له ، فأنزل الله هذه الآية .

هذا مرسل . والسفر معروف ، ولا فرق فيه بين الطويل والقصير .

وقوله : { أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ } الغائط : هو المكان المطمئن من الأرض ، كنى بذلك عن التغوط ، وهو الحدث الأصغر .

وأما قوله : { أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ } فقرئ : " لَمَسْتم " و " لامستم " واختلف المفسرون والأئمة في معنى ذلك ، على قولين :

أحدهما : " أن ذلك كناية عن الجماع ؛ لقوله { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } [ البقرة : 237 ] وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا } [ الأحزاب : 49 ] .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا وَكِيع ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : { أَوْ لَمَسْتُمُ النِّسَاءَ } قال : الجماع . ورُوي عن علي ، وأبيّ بن كعب ، ومجاهد ، وطاوس ، والحسن ، وعُبَيد بن عمير ، وسعيد بن جبير ، والشَّعْبي ، وقتادة ، ومقاتل بن حيَّان - نحوُ ذلك .

وقال ابن جرير : حدثني حُمَيد بن مَسْعَدةَ ، حدثنا يزيد بن زُرَيع ، حدثنا شُعبة ، عن أبي بِشْر ، عن سعيد بن جبير قال : ذكروا اللمس ، فقال ناس من الموالي : ليس بالجماع . وقال ناس من العرب : اللمس الجماع : قال : فأتيت ابن عباس فقلت له : إن ناسا من الموالي والعرب اختلفوا في اللمس ، فقالت الموالي . ليس بالجماع . وقالت العرب : الجماع . قال : من أيّ الفريقين كنت ؟ قلت : كنت من الموالي . قال : غُلب فريقُ الموالي . إن اللمس والمس والمباشرة : الجماع ، ولكن الله يكني ما شاء بما شاء .

ثم رواه عن ابن بشَّار ، عن غُنْدَر ، عن شعبة - به نحوه . ثم رواه من غير وجه عن سعيد بن جبير ، نحوه .

ومثله قال : حدثني يعقوب ، حدثنا هشيم قال : حدثنا أبو بشر ، أخبرنا{[7577]} سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : اللمس والمس والمباشرة : الجماع ، ولكن الله يكني بما يشاء .

حدثنا عبد الحميد بن بيان ، أنبأنا إسحاق الأزرق ، عن سفيان ، عن عاصم الأحول ، عن بكر بن عبد الله ، عن ابن عباس قال : الملامسة : الجماع ، ولكن الله كريم يكني بما يشاء .

وقد صح{[7578]} من غير وجه ، عن عبد الله بن عباس أنه قال ذلك . ثم رواه ابن جرير عن بعض من حكاه ابن أبي حاتم عنهم .

ثم قال ابن جرير : وقال آخرون : عنى الله بذلك كل لمس بيد كان أو بغيرها من أعضاء الإنسان ، وأوجب الوضوء على كل من مس بشيء من جسده شيئا من جسدها مفضيًا إليه .

ثم قال : حدثنا ابن بشار ، حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا سفيان عن مُخَارقٍ ، عن طارق{[7579]} عن عبد الله بن مسعود قال : اللمس ما دون الجماع .

وقد رواه من طرق متعددة عن ابن مسعود بمثله . وروي من حديث الأعمش ، عن إبراهيم ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله بن مسعود قال : القبلة من المس ، وفيها الوضوء .

وقال : حدثني يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني عُبَيد الله{[7580]} بن عمر ، عن نافع : أن ابن عمر كان يتوضأ من قبلة المرأة ، ويرى{[7581]} فيها الوضوء ، ويقول : هي من اللماس .

وروى ابن أبي حاتم وابن جرير أيضا من طريق شعبة ، عن مخارق ، عن طارق ، عن عبد الله قال : اللمس ما دون الجماع .

ثم قال ابن أبي حاتم : ورُوي عن ابن عمر ، وعبيدة ، وأبي عثمان النَّهْدي وأبي عبيدة - يعني ابن عبد الله بن مسعود - وعامر الشَّعْبي ، وثابت بن الحجَّاج ، وإبراهيم النَّخَعي ، وزيد بن أسلم نحو ذلك .

قلت : وروى مالك ، عن الزهري ، عن سالم بن عبد الله بن عمر ، عن أبيه أنه كان يقول : قبلة الرجل امرأته وجَسَّه بيده من الملامسة ، فمن قَبّل امرأته أو جسها بيده ، فعليه الوضوء .

وروى الحافظ أبو الحسن الدارقُطْني [ في سننه ]{[7582]} عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب نحو ذلك . ولكن رَوَيْنا عنه من وجه آخر : أنه كان يقبل امرأته ، ثم يصلي ولا يتوضأ . فالرواية عنه مختلفة ، فيحمل{[7583]} ما قاله في الوضوء إن صح عنه على الاستحباب ، والله أعلم .

والقول بوجوب الوضوء من المس هو قول الشافعي وأصحابه ومالك والمشهور عن أحمد بن حنبل ، رحمهم الله ، قال ناصر هذه المقالة : قد قرئ في هذه الآية { لامَسْتُمُ } { ولمستم } واللمس يطلق في الشرع على الجس باليد قال ] الله[ {[7584]} تعالى : { وَلَوْ نزلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ } [ الأنعام : 7 ] ، أي جسوه{[7585]} وقال [ رسول الله ]{[7586]} صلى الله عليه وسلم لماعز - حين أقر بالزنا يُعرض له بالرجوع عن الإقرار - : " لعلك قبلت أو لمست " {[7587]} وفي الحديث الصحيح : " واليد زناها اللمس " وقالت عائشة ، رضي الله عنها : قَلّ يوم إلا ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم يطوف علينا ، فيقبّل ويلمس . ومنه ما ثبت في الصحيحين : أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الملامسة{[7588]} وهو يَرْجع إلى الجس باليد على كلا التفسيرين قالوا : ويطلق في اللغة على الجس باليد ، كما يطلق على الجماع ، قال الشاعر :

وألمستُ كَفي كفَّه أطلب الغِنَى . . .

واستأنسوا أيضا بالحديث الذي رواه الإمام أحمد : حدثنا عبد الله{[7589]} بن مهدي وأبو سعيد قالا حدثنا زائدة ، عن عبد الملك بن عمير - وقال أبو سعيد : حدثنا عبد الملك بن عُمَير ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن معاذ قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فقال : يا رسول الله ، ما تقول في رجل لقي امرأة لا يعرفها ، فليس{[7590]} يأتي الرجل من امرأته شيء إلا أتاه منها ، غير أنه لم يجامعها ؟ قال : فأنزل الله عز وجل هذه الآية : { وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ } [ هود : 114 ] قال : فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " توضأ ثم صَلِّ " . قال معاذ : فقلت : يا رسول الله ، أله خاصة أم للمؤمنين عامة ؟ قال : " بل للمؤمنين عامة " .

ورواه الترمذي من حديث زائدة{[7591]} به ، وقال : ليس بمتصل . وأخرجه النسائي من حديث شعبة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى مرسلا{[7592]} .

قالوا : فأمره بالوضوء ؛ لأنه لمس المرأة ولم يجامعها . وأجيب بأنه منقطع بين أبي ليلى ومعاذ ، فإنه لم يلقه ، ثم يحتمل أنه إنما أمره بالوضوء والصلاة للتوبة ، كما تقدم في حديث الصدِّيق [ رضي الله عنه ]{[7593]} ما من عبد يذنب ذنبا فيتوضأ ويصلي ركعتين إلا غفر الله له " الحديث ، وهو مذكور في سورة آل عمران عند قوله : { ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ[ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ ]{[7594]} } الآية [ آل عمران : 135 ] .

ثم قال ابن جرير : وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : عنى الله بقوله : { أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ } الجماع دون غيره من معاني اللمس ، لصحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قَبّل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ ، ثم قال : حدثني بذلك إسماعيل بن موسى السدي قال : أخبرنا أبو بكر بن عياش ، عن الأعمش ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن عروة عن عائشة قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ ثم يقبل ، ثم يصلي ولا يتوضأ{[7595]} .

ثم قال : حدثنا أبو كُرَيْب ، حدثنا وَكِيع ، عن الأعمش ، عن حبيب ، عن عروة ، عن عائشة ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قَبّل بعض نسائه ، ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ ، قلت : من هي إلا أنت ؟ فضحكت .

وهكذا رواه أبو داود والترمذي ، وابن ماجه عن جماعة من مشايخهم ، عن وكيع ، به{[7596]} .

ثم قال أبو داود : روي عن الثوري أنه قال : ما حدثنا حبيب إلا عن عروة المزَنيّ ، وقال يحيى القطَّان لرجل : احك عني أن هذا الحديث شبه لا شيء .

وقال الترمذي : سمعت البخاري يضعف هذا الحديث وقال : حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عُرْوَة .

وقد وقع في رواية ابن ماجه : عن أبي بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد الطنافسي ، عن وكيع عن الأعمش ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة .

وأبلغ من ذلك ما رواه الإمام أحمد في مسنده ، من حديث هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة{[7597]} وهذا نص في كونه عروة بن الزبير ، ويشهد له قوله : من هي إلا أنت ، فضحكت{[7598]} .

لكن روى أبو داود ، عن إبراهيم بن مَخْلد الطَّالْقاني ، عن عبد الرحمن بن مَغْراء ، عن الأعمش قال : حدثنا أصحاب لنا عن عروة المزني عن عائشة{[7599]} فذكره ، والله أعلم .

وقال ابن جرير أيضا : حدثنا أبو زيد عمر بن شَبَّةَ ، عن{[7600]} شهاب بن عبَّاد ، حدثنا مَنْدَل بن علي ، عن ليث ، عن عطاء ، عن عائشة - وعن أبي رَوْق ، عن إبراهيم التَّيمي ، عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينال مني القبلةَ بعد الوضوء ، ثم لا يعيد الوضوء{[7601]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان ، عن أبي روق الهمْدَاني ، عن إبراهيم التيمي ، عن عائشة ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ثم صلى ولم يتوضأ .

[ و ]{[7602]} رواه أبو داود والنسائي من حديث يحيى القطان - زاد أبو داود : وابن مهدي - كلاهما عن سفيان الثوري به . {[7603]} ثم قال أبو داود ، والنسائي : لم يسمع إبراهيم التيمي من عائشة .

وقال ابن جرير أيضا : حدثنا سعيد{[7604]} بن يحيى الأموي ، حدثنا أبي ، حدثنا يزيد بن سِنَان ، عن عبد الرحمن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أم سلمة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم ، ثم لا يفطر ، ولا يحدث وضوءًا{[7605]} .

وقال أيضا : حدثنا أبو كريب ، حدثنا حفص بن غِياث ، عن حجاج ، عن عمرو بن شعيب ، عن زينب السَّهْمِية عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه كان يُقَبّل ثم يصلي ولا يتوضأ .

وقد رواه الإمام أحمد ، عن محمد بن فُضَيل ، عن حجاج بن أَرْطَاة ، عن عمرو بن شعيب ، عن زينب السهمية ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، به{[7606]} .

وقوله : { فَإِنْ لَمْ{[7607]} تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا } استنبط كثير من الفقهاء من هذه الآية : أنه لا يجوز التيمم لعادم الماء إلا بعد تطلبه ، فمتى طلبه فلم يجده جاز له حينئذ التيمم . وقد ذكروا كيفية الطلب في كتب الفروع ، كما هو مقرر في موضعه ، كما هو{[7608]} في الصحيحين ، من حديث عِمران بن حصين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا معتزلا لم يصل في{[7609]} القوم ، فقال : " يا فلان ، ما منعك أن تصلي مع القوم ؟ ألست برجل مسلم ؟ " قال : بلى يا رسول الله ، ولكن أصابتني جنابة ولا ماء . قال : " عليك بالصعيد ، فإنه يكفيك " . {[7610]}

ولهذا قال تعالى : { فَإِنْ لَمْ{[7611]} تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا } فالتيمم في اللغة هو : القصد . تقول العرب : تيممك{[7612]} الله بحفظه ، أي : قصدك . ومنه قول امرئ القيس{[7613]} :

وَلَمَّا رَأتْ{[7614]} أنَّ المَنِية ورِدُها *** وأن الحصَى من تحت أقدامها دَامِ

تيممت العين التي عند ضارج *** يفيء عليها الفيء عَرْمَضها طام

والصعيد قيل : هو كل ما صعد على وجه الأرض ، فيدخل فيه التراب ، والرمل ، والشجر ، والحجر ، والنبات ، وهو قول مالك . وقيل : ما كان من جنس التراب فيختص التراب والرمل والزرنيخ ، والنورة ، وهذا مذهب أبي حنيفة . وقيل : هو التراب فقط ، وهو مذهب الشافعي وأحمد بن حنبل وأصحابهما ، واحتجوا بقوله تعالى : { فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا } [ الكهف : 40 ] أي : ترابا أملس طيبا ، وبما ثبت في صحيح مسلم ، عن حذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فضلنا على الناس بثلاث : جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة ، وجعلت لنا الأرض كلها مسجدًا ، وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء " {[7615]} وفي لفظ : " وجعل ترابها لنا طهورا إذا لم نجد الماء " . قالوا : فخصص الطهورية بالتراب في مقام الامتنان ، فلو كان غيره يقوم مقامه لذكره معه .

والطيب هاهنا قيل : الحلال . وقيل : الذي ليس بنجس . كما رواه الإمام أحمد وأهل السنن إلا ابن ماجه ، من حديث أبي قلابة عن عمرو بن بُجْدان{[7616]} عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الصعيد الطيب طهور المسلم ، وإن لم يجد الماء عشر حجج ، فإذا وجده ، {[7617]} فليمسه بَشرته ، فإن ذلك خير له " .

وقال الترمذي : حسن صحيح : وصححه ابن حبان أيضا{[7618]} ورواه الحافظ أبو بكر البزار في مسنده عن أبي هريرة{[7619]} وصححه الحافظ أبو الحسن القطان . وقال ابن عباس : أطيب الصعيد تراب الحرث . رواه ابن أبي حاتم ، ورفعه ابن مَرْدويه في تفسيره{[7620]} .

وقوله : { فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ } التيمم بدل عن الوضوء في التطهر{[7621]} به ، لا أنه بدل منه في جميع أعضائه ، بل يكفي مسح الوجه واليدين فقط بالإجماع ، ولكن{[7622]} اختلف الأئمة في كيفية التيمم على أقوال .

أحدها - وهو مذهب الشافعي في الجديد - : أنه يجب أن يمسح الوجه واليدين إلى المرفقين بضربتين ؛ لأن لفظ اليدين يصدق إطلاقهما على ما يبلغ المنكبين ، وعلى ما يبلغ المرفقين ، كما في آية الوضوء ، ويطلق ويراد بهما ما يبلغ الكفين ، كما في آية السرقة : { فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } [ المائدة : 38 ] قالوا : وحمل ما أطلق هاهنا على ما قيد في آية الوضوء أولى لجامع{[7623]} الطهورية . وذكر بعضهم ما رواه الدارقطني ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " التيمم ضربتان : ضربة للوجه ، وضربة لليدين إلى المرفقين " . ولكن لا يصح ؛ لأن في أسانيده ضعفاء لا يثبت الحديث بهم{[7624]} وروى أبو داود عن ابن عمر - في حديث - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب بيديه على الحائط ومسح بهما وجهه ، ثم ضرب ضربة أخرى فمسح بها ذراعيه .

ولكن في إسناده محمد بن ثابت العَبْدي ، وقد ضعفه بعض الحفاظ ، ورواه غيره من الثقات فوقفوه على فعل ابن عمر ، قال البخاري وأبو زرعة وابن عَدِي : هو الصواب . وقال البيهقي : رفع هذا الحديث منكر{[7625]} {[7626]} .

واحتج الشافعي بما رواه عن إبراهيم بن محمد عن أبي الحويرث عن عبد الرحمن بن معاوية ، عن الأعرج ، عن ابن الصَّمَّة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تيمم فمسح وجهه وذراعيه . {[7627]}

وقال ابن جرير : حدثني موسى بن سهل الرملي ، حدثنا نعيم بن حَمَّاد ، حدثنا خارجةُ بن مُصْعب ، عن عبد الله بن عطاء ، عن موسى بن عُقْبة ، عن الأعرج ، عن أبي جُهيم{[7628]} قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يبول ، فسلمت عليه ، فلم يرد علي حتى فرغ ، ثم قام إلى الحائط{[7629]} فضرب بيديه عليه ، فمسح بهما وجهه ، ثم ضرب بيديه على الحائط فمسح بهما يديه إلى المرفقين ، ثم رد علي السلام{[7630]} .

والقول الثاني : إنه يجب مسح الوجه واليدين إلى الكفين بضربتين ، وهو القول القديم للشافعي .

والثالث : أنه يكفي مسح الوجه والكفين بضربة واحدة ؛ قال الإمام أحمد :

حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة عن الحكم ، عن ذَرّ ، عن ابن عبد الرحمن بن أبزى ، عن أبيه ؛ أن رجلا أتى عمر فقال : إني أجنبت فلم أجد ماء ؟ فقال عمر : لا تصل . فقال عمار : أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماء ، فأما أنت فلم تصل ، وأما أنا فتمعكت في التراب فصليت ، فلما أتينا النبي صلى الله عليه وسلم ذكرت ذلك له ، فقال : " إنما كان يكفيك " . وضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيده الأرض ، ثم نفخ فيها ومسح بها{[7631]} وجهه وكفيه{[7632]} .

وقال أحمد أيضا : حدثنا عفَّان ، حدثنا أبان ، حدثنا قتادة ، عن عَزْرَة{[7633]} عن سعيد بن عبد الرحمن بن أَبْزى ، عن أبيه ، عن عمار ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في التيمم : " ضربة للوجه والكفين " {[7634]} .

طريق أخرى : قال أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا عبد الواحد ، حدثنا سليمان الأعمش ، حدثنا شقيق قال : كنت قاعدا مع عبد الله وأبي موسى فقال أبو موسى لعبد الله : لو أن رجلا لم يجد الماء لم يصل ؟ فقال عبد الله : لا . فقال أبو موسى : أما تذكر إذ قال عمَّار لعمر : ألا تذكر إذ بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وإياك في إبل ، فأصابتني جنابة ، فتمرغت في التراب ؟ فلما رجعتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته ، فضحك وقال : " إنما كان يكفيك أن تقول هكذا " ، وضرب بكفيه إلى الأرض ، ثم مسح كفيه جميعا ، ومسح وجهه مسحة واحدة بضربة واحدة ؟ فقال عبد الله : لا جرم ، ما رأيت عمر قنع بذاك قال : فقال له أبو موسى : فكيف بهذه الآية في سورة النساء : { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيًدا طَيِّبًا } ؟ قال : فما درى عبد الله ما يقول ، وقال : لو رخصنا لهم في التيمم لأوشك أحدهم إذا برد الماء على جلده أن يتيمم{[7635]} .

وقال تعالى في آية المائدة : { فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ } [ المائدة : 6 ] ، استدل بذلك الشافعي ، رحمه الله تعالى ، على أنه لا بد في التيمم أن يكون بتراب طاهر له غبار يعلق بالوجه واليدين منه شيء ، كما رواه الشافعي بإسناده المتقدم عن ابن الصمة : أنه مَرّ بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول ، فسلم عليه فلم يرد عليه ، حتى قام إلى جدار فحته بعصا كانت معه ، فضرب بيده عليه ثم مسح بها وجهه وذراعيه .

وقوله : { مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ } أي : في الدين الذي شَرَعه لكم { وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ } فلهذا أباح إذا لم تجدوا الماء أن تعدلوا إلى التيمم بالصعيد { وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَةُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

ولهذا كانت هذه الأمة مختصة بشرعية التيمم دون سائر الأمم ، كما ثبت في الصحيحين ، عن جابر بن عبد الله ، رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعطِيتُ خمسا لم يُعْطَهُنَّ أحدٌ قَبْلي :

نُصِرتُ بالرُّعبِ مَسِيرةَ شهر وجعلتْ لي الأرض مسجدًا وطهورًا ، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل - وفي لفظ : فعنده طَهُورُه مسجده - وأحِلَّتْ لي الغنائم ولم تَحِلَّ لأحد قبلي ، وأعطيت الشفاعة ، وكان النبي يبعث إلى قومه وبعثت إلى الناس عامة " {[7636]} .

وتقدم في حديث حذيفة عند مسلم : " فضلنا على الناس بثلاث : جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة ، وجعلت لنا الأرض مسجدا ، وتربتها{[7637]} طهورا إذا لم نجد الماء " .

وقال تعالى في هذه الآية الكريمة : { فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا } أي : ومن عفوه عنكم وغَفره لكم أن شرع{[7638]} التيمم ، وأباح لكم فعل الصلاة به إذا فقدتم{[7639]} الماء توسعة عليكم ورخصة لكم ، وذلك أن هذه الآية الكريمة فيها تنزيه الصلاة أن تفعل على هيئة ناقصة من سكر حتى يصحو المكلف ويعقل ما يقول ، أو جنابة حتى يغتسل ، أو حدث حتى يتوضأ ، إلا أن يكون مريضا أو عادما للماء ، فإن الله ، عز وجل ، قد أرخص في التيمم والحالة هذه ، رحمة بعباده ورأفة بهم ، وتوسعة عليهم ، ولله الحمد والمنة .

ذكر سبب نزول مشروعية التيمم :

وإنما ذكرنا ذلك هاهنا ؛ لأن هذه الآية التي في النساء متقدمة النزول على آية المائدة ، وبيانه أن هذه نزلت قبل تحتم تحريم الخمر ، والخمر إنما حرم بعد أحد ، يقال : في محاصرة النبي صلى الله عليه وسلم لبني النضير بعد أحد بيسير ، وأما المائدة فإنها من أواخر ما نزل ، ولا سيما صدرها ، فناسب أن يذكر السبب هاهنا ، وبالله الثقة .

قال الإمام أحمد : حدثنا ابن نمير ، حدثنا هشام ، عن أبيه ، عن عائشة : أنها استعارت من أسماء قلادة ، فهلكت ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالا في طلبها فوجدوها ، فأدركتهم الصلاة وليس معهم ماء ، فصلوها بغير وضوء ، فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله آية التيمم ، فقال أسيد بن الحضير لعائشة : جزاك الله خيرا ، فوالله ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله لك وللمسلمين فيه خيرا{[7640]} .

طريق أخرى : قال البخاري : حدثنا عبد الله بن يوسف ، أنبأنا مالك ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره ، حتى إذا كنا في البيداء{[7641]} - أو بذات الجيش - انقطع عقد لي ، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه ، وأقام الناس معه ، وليسوا على ماء وليس معهم ماء ، فأتى الناس إلى أبي بكر فقالوا : ألا ترى ما صنعت عائشة ؟ أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالناس ، وليسوا على ماء وليس معهم ماء ! فجاء أبو بكر ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي قد نام ، فقال : حبست رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس ، وليسوا على ماء وليس معهم ماء ! قالت عائشة : فعاتبني أبو بكر وقال ما شاء الله أن يقول ، وجعل يطعن بيده في خاصرتي ، ولا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على غير ماء ، فأنزل الله آية التيمم فتيمموا ، فقال أسيد بن الحضير : ما هي بأول بَركتكم يا آل أبي بكر . قالت : فبعثنا البعير الذي كنت عليه ، فوجدنا العقد تحته .

وقد رواه البخاري أيضًا عن قُتيبة وإسماعيل . ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى ، عن مالك{[7642]} .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا يعقوب ، حدثنا أبي ، عن صالح قال : قال ابن شهاب : حدثني عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس ، عن عمار بن ياسر ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرس بأولات الجيش ومعه عائشة زوجته ، فانقطع عقد لها من جَزْع ظَفَار ، فحبس الناس ابتغاء عقدها ، وذلك حتى أضاء الفجر ، وليس مع الناس ماء ، فأنزل الله ، عز وجل ، على رسوله صلى الله عليه وسلم رخصة التطهر بالصعيد الطيب ، فقام المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربوا بأيديهم الأرض ، ثم رفعوا أيديهم ولم يقبضوا من التراب شيئا ، فمسحوا بها وجوههم وأيديهم إلى المناكب ، ومن بطون أيديهم إلى الآباط{[7643]} .

وقد رواه ابن جرير : حدثنا أبو كُرَيْب ، حدثنا صيفي ، عن ابن أبي ذئب ، ] عن الزُّهْري[ {[7644]} عن عبيد الله بن عبد الله ، عن أبي اليقظان قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهلك عقد لعائشة ، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أضاء الفجر{[7645]} فتغيّظ أبو بكر على عائشة ] رضي الله عنها[ {[7646]} فنزلت عليه الرخصة : المسح بالصعيد الطيب . فدخل أبو بكر فقال لها : إنك لمباركة ! نزلت فيك رخصة ! فضربنا بأيدينا ضربة لوجوهنا ، وضربة لأيدينا إلى المناكب والآباط . {[7647]}

حديث آخر : قال الحافظ أبو بكر بن مَرْدويه : حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم ، حدثنا الحسن بن أحمد حدثنا الليث حدثنا محمد بن مرزوق ، حدثنا العلاء{[7648]} بن أبي سوية ، حدثني الهيثم عن زُرَيق{[7649]} المالكي - من بني مالك بن كعب بن سعد ، وعاش مائة وسبع عشرة سنة - عن أبيه ، عن الأسلع بن شريك قال : كنت أُرَحِّل ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصابتني جنابة في ليلة باردة ، وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحلة ، فكرهت أن أرحل ناقتة وأنا جنب ، وخشيت أن أغتسل بالماء البارد فأموت أو أمرض ، فأمرت رجلا من الأنصار فرحلها ، ثم رضَفت أحجارًا فأسخنت بها ماء ، فاغتسلت . ثم لحقت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال : " يا أسلع ، مالي أرى رحلتك تغيرت ؟ " قلت : يا رسول الله ، لم أرحلها ، رحلها رجل من الأنصار ، قال : " ولم ؟ " قلت : إني أصابتني جنابة ، فخشيت القُرَّ على نفسي ، فأمرته أن يرحلها ، ورضفت أحجارًا فأسخنت بها ماء فاغتسلت به ، فأنزل الله تعالى : { لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ [ وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بوجوهكم وأيديكم ] إِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا } وقد روي من وجه آخر عنه .


[7531]:زيادة من ر.
[7532]:زيادة من ر، أ.
[7533]:في د: "الصلاة".
[7534]:زيادة من ر.
[7535]:زيادة من ر.
[7536]:زيادة من د.
[7537]:في د، ر: "أقيمت".
[7538]:في أ: "ابن جرير".
[7539]:في د: "فضرب".
[7540]:في د: "معرور".
[7541]:صحيح مسلم برقم (1748) وسنن أبي داود برقم (2740) وسنن الترمذي برقم (3079) وسنن النسائي الكبرى برقم (11196) مختصرا ليس فيه ذكر الشاهد هاهنا.
[7542]:زيادة من ر، أ.
[7543]:في أ: "عبد الله".
[7544]:سنن الترمذي برقم (3026).
[7545]:زيادة من ر، أ.
[7546]:تفسير الطبري (8/376) وسنن أبي داود برقم (3671) وسنن النسائي الكبرى كما في تحفة الأشراف للمزي برقم (10175).
[7547]:في ر: "تحرم".
[7548]:تفسير الطبري (8/376).
[7549]:زيادة من ر، أ.
[7550]:بعدها في أ: "وقد يحتمل أن يكون المراد".
[7551]:في أ: "يقولون".
[7552]:في د، ر: "المحذور".
[7553]:في ر، أ: "تدبره له".
[7554]:المسند (3/150) وصحيح البخاري برقم (213) وسنن النسائي (1/215).
[7555]:في د: "ألفاظه".
[7556]:في د: "مر".
[7557]:في أ: "عيينة".
[7558]:في أ: "في قوله تعالى".
[7559]:صحيح البخاري برقم (298).
[7560]:صحيح مسلم برقم (298) ومن حديث أبي هريرة برقم (299).
[7561]:في ر: "خليقة".
[7562]:زيادة من أ.
[7563]:سنن أبي داود برقم (232) وسنن ابن ماجه برقم (645) من حديث أم سلمة. قال البوصيري في الزوائد (1/230): "هذا إسناد ضعيف، محدوج لم يوثق، وأبو الخطاب مجهول".
[7564]:في أ: "مجدوح".
[7565]:سنن الترمذي برقم (3727).
[7566]:في د، ر: "يجد".
[7567]:المسند (5/180) وسنن أبي داود برقم (332) وسنن الترمذي برقم (124) وسنن النسائي (1/171).
[7568]:في أ: "وقال".
[7569]:زيادة من ر، أ.
[7570]:في ر: "فالعابر".
[7571]:في أ: "رواه".
[7572]:في أ: "وهو".
[7573]:في أ: "رجلا" وهو خطأ.
[7574]:في أ: "مجتنبون".
[7575]:في أ: "والله".
[7576]:في أ: "حصيف".
[7577]:في ر: "أخبرني عن".
[7578]:في أ: "صح هذا".
[7579]:في أ: "طاوس".
[7580]:في د، ر: "عبد الله" والصحيح ما أثبتناه.
[7581]:في أ: "وهو يرى".
[7582]:زيادة من ر، أ.
[7583]:في أ: "فيحتمل".
[7584]:زيادة من ر، أ.
[7585]:في ر، أ: "مسوه".
[7586]:زيادة من أ.
[7587]:رواه البخاري في صحيحه برقم (6824) وأبو داود في سننه برقم (4427) وأحمد في مسنده (1/238) من حديث عبد الله بن عباس.
[7588]:صحيح البخاري برقم (2146) وصحيح مسلم برقم (1511).
[7589]:في ر، أ: "عبد الرحمن".
[7590]:في أ: "وليس".
[7591]:المسند (5/244) وسنن الترمذي برقم (3113).
[7592]:رواه النسائي في الكبرى برقم (7328) لكنه موصول، وذكره المزي في تحفة الأشراف برقم (11343) وعزاه للنسائي مرسلا، والله أعلم.
[7593]:زيادة من أ.
[7594]:زيادة من د، أ.
[7595]:تفسير الطبري (8/396).
[7596]:تفسير الطبري (8/396) وسنن أبي داود برقم (180) وسنن الترمذي برقم (86) وسنن ابن ماجه برقم (502).
[7597]:في أ: "عائشة به".
[7598]:المسند (6/210) لكنه من طريق حبيب بن أبي ثابت عن عروة به.
[7599]:في ر: "عروة".
[7600]:في أ: "حدثنا".
[7601]:تفسير الطبري (8/397).
[7602]:زيادة من أ.
[7603]:المسند (6/210) وسنن أبي داود برقم (178) وسنن النسائي (1/39).
[7604]:في أ: "سعد".
[7605]:تفسير الطبري (8/399) ورواه الطبراني في الأوسط برقم (436) "مجمع البحرين" من طريق سعيد بن يحيى الأموي به. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/247): "فيه يزيد بن سنان الرهاوي ضعفه أحمد ويحيى وابن المديني، ووثقه البخاري وأبو حاتم، وثبته مروان بن معاوية وبقية رجاله موثقون".
[7606]:تفسير الطبري (8/397) والمسند (6/62).
[7607]:في ر، أ: "فلم".
[7608]:في أ: "ورد".
[7609]:في أ: "مع".
[7610]:صحيح البخاري برقم (348) وصحيح مسلم برقم (682).
[7611]:في أ: "فلم".
[7612]:في ر، أ: "نواك".
[7613]:البيت في لسان العرب لابن منظور، مادة (ضرج ).
[7614]:في ر: "رأيت".
[7615]:صحيح مسلم برقم (522).
[7616]:في أ: "نجدان".
[7617]:في ر، أ: "فإذا وجد الماء".
[7618]:سبق تخريجه، ورواه ابن حبان في صحيحه (2/303) "الإحسان".
[7619]:مسند البزار برقم (310)، "كشف الأستار"، وقال الهيثمي في المجمع (1/261): "رواه البزار وقال: لا نعلمه يروى عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه قلت: ورجاله رجال الصحيح".
[7620]:ورواه الشيرازي في الألقاب كما في الدر المنثور للسيوطي (2/551).
[7621]:في ر: "الطهر".
[7622]:في أ: "واختلف".
[7623]:في أ: "بجماع".
[7624]:سنن الدارقطني (1/180) من طريق عبد الله بن الحسين عن عبد الرحيم بن مطرف عن علي بن ظبيان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر، به. ثم قال: "كذا رواه علي بن ظبيان مرفوعًا، ووقفه يحيى بن القطان وهشيم وغيرهما، وهو الصواب".
[7625]:في ر، أ: "غير منكر".
[7626]:سنن أبي داود برقم (331).
[7627]:الأم للشافعي (1/42).
[7628]:في أ: "جهيمة".
[7629]:في أ: "حائط".
[7630]:تفسير الطبري (8/416).
[7631]:في أ: "بهما".
[7632]:المسند (4/265).
[7633]:في أ: "عروة".
[7634]:المسند (4/263).
[7635]:المسند (4/265).
[7636]:صحيح البخاري برقم (335) وصحيح مسلم برقم (521).
[7637]:في أ: "وترابها".
[7638]:في أ: "يشرع".
[7639]:في أ: "فقد".
[7640]:المسند (6/57).
[7641]:في أ: "بالبيداء".
[7642]:صحيح البخاري برقم (4607).
[7643]:المسند (4/264).
[7644]:زيادة من أ، والطبري.
[7645]:في أ: "الصبح".
[7646]:زيادة من أ.
[7647]:تفسير الطبري (8/418).
[7648]:في النسخ: "العباس" وهو تحريف، والتصويب من كتب الرجال.
[7649]:في أ: "زريق".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَقۡرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمۡ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعۡلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغۡتَسِلُواْۚ وَإِن كُنتُم مَّرۡضَىٰٓ أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوۡ جَآءَ أَحَدٞ مِّنكُم مِّنَ ٱلۡغَآئِطِ أَوۡ لَٰمَسۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمۡ تَجِدُواْ مَآءٗ فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدٗا طَيِّبٗا فَٱمۡسَحُواْ بِوُجُوهِكُمۡ وَأَيۡدِيكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا} (43)

{ يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } أي لا تقوموا إليها وأنتم سكارى من نحو نوم أو خمر حتى تنتهوا وتعلموا ما تقولون في صلاتكم . روي ( أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه صنع مادبة ودعا نفرا من الصحابة -حين كانت الخمر مباحة- فأكلوا وشربوا حتى ثملوا ، وجاء وقت صلاة المغرب فتقدم أحدهم ليصلي بهم فقرأ : أعبد ما تعبدون ) . فنزلت . وقيل أراد بالصلاة مواضعها وهي المساجد وليس المراد منه نهي السكران عن قربان الصلاة ، وإنما المراد النهي عن الإفراط في الشرب والسكر ، من السكر وهو السد . وقرئ { سكارى } بالفتح وسكرى على أنه جمه كهلكى . أو مفرد بمعنى وأنتم قوم سكرى ، أو جماعة سكرى وسكرى كحبلى على أنها صفة للجماعة . { ولا جنبا } عطف على قوله { وأنتم سكارى } إذ الجملة في موضع النصب على الحال ، والجنب الذي أصابته الجنابة ، يستوي فيه المذكر والمؤنث والواحد والجمع ، لأنه يجري مجرى المصدر . { إلا عابري سبيل } متعلق بقوله { ولا جنبا } ، استثناء من أعم الأحوال أي لا تقربوا الصلاة جنبا في عامة الأحوال إلا في السفر وذلك إذا لم يجد الماء وتيمم ، ويشهد له تعقيبه بذكر التيمم ، أو صفة لقوله { جنبا } أي جنبا غير عابري سبيل . وفيه دليل على أن التيمم لا يرفع الحدث . ومن فسر الصلاة بمواضعها فسر عابري سبيل بالمجتازين فيها ، وجوز الجنب عبور المسجد . وبه قال الشافعي رضي الله عنه . وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه : لا يجوز له المرور في المسجد إلا إذا كان فيه الماء أو الطريق . { حتى تغتسلوا } غاية النهي عن القربان حال الجنابة ، وفي الآية تنبيه على أن المصلي ينبغي أن يتحرز عما يلهيه ويشغل قلبه ، ويزكي نفسه عما يجب تطهيرها عنه . { وإن كنتم مرضى } مرضا يخاف معه من استعمال الماء ، فإن الواجد كالفاقد . أو مرضا يمنعه عن الوصول إليه . { أو على سفر } لا تجدونه فيه . { أو جاء أحد منكم من الغائط } فأحدث بخروج الخارج من أحد السبيلين ، وأصل الغائط المكان المطمئن من الأرض . { أو لامستم النساء } أو ما مسستم بشرتهن ببشرتكم ، وبه استدل الشافعي على أن اللمس ينقض الوضوء . وقيل : أو جامعتموهن . وقرأ حمزة والكسائي هنا وفي المائدة " لمستم " ، واستعماله كناية عن الجماع أقل من الملامسة . { فلم تجدوا ماء } فلم تتمكنوا من استعماله ، إذ الممنوع عنه كالمفقود . ووجه هذا التقسيم أن المترخص بالتيمم إما محدث أو جنب ، والحالة المقتضية له في غالب الأمر مرض أو سفر . والجنب لما سبق ذكره اقتصر على بيان حاله والمحدث لما لم يجر ذكره ذكر من أسبابه ما يحدث بالذات وما يحدث بالعرض ، واستغنى عن تفصيل أحواله بتفصيل حال الجنب وبيان العذر مجملا فكأنه قيل : وإن كنتم جنبا مرضى أو على سفر أو محدثين جئتم من الغائط أو لامستم فلم تجدوا ماء { فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم } . أي فتعمدوا شيئا من وجه الأرض طاهرا . ولذلك قالت الحنفية : لو ضرب المتيمم يده على حجر صلد ومسح به أجزأه . وقال أصحابنا لا بد من أن يعلق باليد شيء من التراب لقوله تعالى في المائدة { فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه } أي بعضه ، وجعل من لابتداء الغاية تعسف إذ لا يفهم من نحو ذلك إلا التبعيض ، واليد اسم للعضو إلى المنكب ، وما روي أنه عليه الصلاة والسلام تيمم ومسح يديه إلى مرفقيه ، والقياس على الوضوء دليل على أن المراد ها هنا { وأيديكم إلى المرافق } . { إن الله كان عفوا غفورا } فلذلك يسر الأمر عليكم ورخص لكم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَقۡرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمۡ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعۡلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغۡتَسِلُواْۚ وَإِن كُنتُم مَّرۡضَىٰٓ أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوۡ جَآءَ أَحَدٞ مِّنكُم مِّنَ ٱلۡغَآئِطِ أَوۡ لَٰمَسۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمۡ تَجِدُواْ مَآءٗ فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدٗا طَيِّبٗا فَٱمۡسَحُواْ بِوُجُوهِكُمۡ وَأَيۡدِيكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا} (43)

سبب النهي عن قرب الصلاة في حال سكر : أن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شربت الخمر عند أحدهم قبل التحريم ، فيهم أبو بكر وعمر وعلي وعبد الرحمن بن عوف ، فحضرت الصلاة ، فتقدمهم علي بن أبي طالب ، فقرأ { قل يا أيها الكافرون } [ الكافرون : 1 ] فخلط فيها ، بأن قال : «أعبد ما تعبدون ، وأنتم عابدون ما أعبد » ، فنزلت الآية ، وروي أن المصلي عبد الرحمن بن عوف{[4055]} .

وجمهور المفسرين على أن المراد سكر الخمر ، إلا الضحاك ، فإنه قال : إنما المراد سكر النوم{[4056]} .

قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف ، والخطاب لجميع الأمة الصاحين ، وأما السكران إذا عدم الميز لسكره فليس بمخاطب في ذلك الوقت ، وإنما هو مخاطب إذا صحا بامتثال ما يجب عليه ، وبتكفير ما ضاع في وقت سكره من الأحكام التي تقرر تكليفه إياها قبل السكر ، وليس في هذا تكليف ما لا يطاق ، على ما ذهب إليه بعض الناس .

وقرأت فرقة { سكارى } جمع سكران{[4057]} ، وقرأت فرقة «سَكرى » بفتح السين على مثال فعلى وقرأ الأعمش : «سُكرى » بضم السين وسكون الكاف على مثال فعلى ، وقرأ النخعي «سَكرى » بفتح السين{[4058]} . قال أبو الفتح : هو تكسير سكران على سكارى ، كما قالوا : روبى نياماً{[4059]} وكقولهم : هلكى وميدى{[4060]} في جمع هالك ومائد ، ويحتمل أن يكون صفة لمؤنثة واحدة ، كأن المعنى وأنتم جماعة سكرى ، وأما «سُكرى » بضم السين فصفة لواحدة ، كحبلى ، والسكر انسداد الفهم ، ومنه سكرت الماء إذا سددت طريقه ، وقالت طائفة : { الصلاة } هنا العبادة المعروفة ، حسب السبب في نزول الآية ، وقالت طائفة : { الصلاة } هنا المراد بها موضع الصلاة والصلاة معاً لأنهم كانوا حينئذ لا يأتون المسجد إلا للصلاة ، ولا يصلون إلا مجتمعين ، فكانا متلازمين{[4061]} .

قال القاضي أبو محمد : وإنما احتيج إلى هذا الخلاف بحسب ما يأتي في تفسير عابري السبيل ، ويظهر من قوله : { حتى تعلموا } أن السكران لا يعلم ما يقول ولذلك قال عثمان بن عفان رضي الله عنه وغيره : إن السكران لا يلزمه طلاقه ، فأسقط عنه أحكام القول ، لهذا ، ولقول النبي عليه السلام للذي أقر بالزنى أسكران أنت ؟ فمعناه : أنه لو كان سكران لم يلزمه الإقرار .

قال القاضي أبو محمد : وبين طلاق السكران وإقراره بالزنى فرق ، وذلك أن الطلاق والإقرار بالمال والقذف وما أشبهه هذا يتعلق به حقوق الغير من الآدميين ، فيتهم السكران إن ادعى أنه لم يعلم ، ويحكم عليه حكم العالم ، والإقرار بالزنا إنما هو حق لله تعالى ، فإذا ادعى فيه بعد الصحو أنه كان غير عالم دين ، وأما أحكام الجنايات ، فهي كلها لازمة للسكران { وأنتم سكارى } ابتداء وخبر ، جملة في موضع الحال ، وحكي عن ابن فورك أنه قال : معنى الآية النهي عن السكر ، أي لا يكن منكم سكر ، فيقع قرب الصلاة ، إذ المرء مدعو إلى الصلاة دأباً ، والظاهر أن الأمر ليس كذلك ، وقد روي : أن الصحابة بعد هذه الآية كانوا يشربون ويقللون اثر الصبح واثر العتمة ، ولا تدخل عليهم صلاة إلا وهم صاحون .

وقوله : { ولا جنباً } عطف على موضع هذه الجملة المنصوبة{[4062]} ، والجنب هو غير الطاهر من إنزال أو مجاوزة ختان ، هذا قول جمهور الأمة ، وروي عن بعض الصحابة : لا غسل إلا على من أنزل{[4063]} ، وهو من الجنابة ، وهي : البعد ، كأنه جانب الطهر أو من الجنب ، كأنه ضاجع ومس بجنبه جنباً ، وقرأت فرقة «جنْباً » بإسكان النون ، و { عابري سبيل } هو من العبور أي : الخطور والجواز ، ومنه : عبر السفينة النهر ، ومنه : ناقة عبر السير والفلاة والمهاجرة{[4064]} ، أي تعبرها بسرعة السير ، قال الشاعر : وهي امرأة : [ الكامل ]

عَيْرَانَةٌ سَرْحُ اليَدَيْنِ شِمِلَّةٌ *** عَبْرَ الهَوَاجِرِ كَالْهُزُفِّ الخَاضِبِ{[4065]}

وقال علي بن أبي طالب وابن عباس وابن جبير ومجاهد والحكم وغيرهم : عابر السبيل هو المسافر ، فلا يصح لأحد أن يقرب الصلاة وهو جنب إلا بعد الاغتسال ، إلا المسافر فإنه يتيمم ، وقال ابن عباس أيضاً وابن مسعود وعكرمة والنخعي وغيرهم : عابر السبيل الخاطر في المسجد ، وهو المقصود في الآية ، وهذا يحتاج إلى ما تقدم من أن القول بأن الصلاة هي المسجد والمصلى ، وروى بعضهم : أن سبب نزول الآية { أن قوما من الأنصار كانت أبواب دورهم شارعة في المسجد ، فإذا أصابت أحدهم الجنابة اضطر إلى المرور في المسجد ، فنزلت الآية في ذلك{[4066]} ، ثم نزلت { وإن كنتم مرضى } إلى آخر الآية ، بسبب عدم الصحابة الماء في غزوة " المريسيع " {[4067]} حين أقام على التماس العقد{[4068]} ، هكذا قال الجمهور ، وقال النخعي : نزلت في قوم أصابتهم جراح ثم أجنبوا ، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الاية ، ذكر النقاش : أن ذلك نزل بعبد الرحمن بن عوف ، والمريض المقصود في هذه الآية هو الحضري ، والذي يصح له التيمم هو الذي يخاف الموت لبرد الماء وللعلة به ، وهذا يتيمم بإجماع ، إلا ما روي عن عطاء : أنه يتطهر وإن مات ، والذي يخاف حدوث علة على علة أو زيادة علة والذي يخاف بطء برء فهؤلاء يتيممون بإجماع من المذهب فيما حفظت ، والأسباب التي لا يجد المريض بها الماء هي إما عدم المناول ، وإما خوف ما ذكرناه ، وقال داود : كل من انطلق عليه اسم المريض فجائز له التيمم ، وهذا قول خلف ، وإنما هو عند علماء الأمة المجدور ، والمحصوب ، والعلل المخوف عليها من الماء ، والمسافر في هذه الآية : هو الغائب عن الحضر ، كان السفر مما تقصر فيه الصلاة أو لا تقصر ، هذا مذهب مالك وجمهور الفقهاء ، وقال الشافعي في كتاب الأشراف ، وقال قوم : لا يتيمم إلا في سفر يجوز فيه التقصير ، وهذا ضعيف .

قال القاضي أبو محمد : وكذلك قالت فرقة : لا يتيمم في سفر معصية ، وهذا أيضاً ضعيف ، والأسباب التي لا يجد بها المسافر الماء هي إما عدمه جملة ، وإما خوف فوات الرفيق بسبب طلبه ، وإما خوف على الرجل بسبب طلبه ، وإما خوف سباع أو إذاية عليه ، واختلف في وقت إيقاعه التيمم ، فقال الشافعي : في أول الوقت ، وقال أبو حنيفة وغيره : في آخر الوقت ، وفرق مالك بين اليائس والعالم الطامع بإدراكه في الوقت ، والجاهل بأمره جملة ، وقال إسحق بن راهويه : لا يلزم المسافر طلب الماء إلا بين يديه وحوله ، وقالت طائفة : يخرج من طلبه الغلوتين{[4069]} ونحوهما ، وفي مذهب مالك يمشي في طلبه ثلاثة أميال ، وقال الشافعي : يمشي في طلبه ما لم يخف فوات رفيق أو فوات الوقت .

قال القاضي أبو محمد : وهذا قول حسن ، وأصل { الغائط } ما انخفض من الأرض ، وكانت العرب تقصد بقضاء حاجتها ذلك الصنف من المواضع ، حتى كثر استعماله في قضاء الحاجة وصار عرفه ، وقرأ قتادة الزهري «من الغيْط » ساكنة الياء من غير ألف ، قال ابن جني : هو محذوف من فيعل ، عين هذه الكلمة واو{[4070]} ، وهذا اللفظ يجمع بالمعنى جميع الأحداث الناقضة للطهارة الصغرى ، واختلف الناس في حصرها ، وأنبل ما اعتقد في ذلك : أن أنواع الأحداث ثلاثة ، ما خرج من السبيلين معتاداً ، وما أذهب العقل ، واللمس ، هذا على مذهب مالك ، وعلى مذهب أبي حنيفة ما خرج من النجاسات من الجسد ، ولا يراعى المخرج ولا غيره ، ولا يعد اللمس فيها ، وعلى مذهب الشافعي ما خرج من السبيلين ، ولا يراعى الاعتياد ، والإجماع من الأحداث على تسعة ، أربعة من الذكر ، وهي البول والمني والودي والمذي ، وواحد من فرج المرأة وهو دم الحيض ، واثنان من الدبر ، وهما الريح والغائط ، وذهاب العقل كالجنون والإغماء والنوم الثقيل ، فهذه تنقض الطهارة الصغرى إجماعاً ، وغير ذلك كاللمس والدود يخرج من الدبر وما أشبهه مختلف فيه ، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم { لامستم } وقرأ حمزة والكسائي «لمستم » وهي في اللغة لفظة قد تقع للمس الذي هو الجماع ، وفي اللمس الذي هو جس اليد والقبلة ونحوه ، إذ في جميع ذلك لمس ، واختلف أهل العلم في موقعها هنا : فمالك رحمه الله يقول : اللفظة هنا على أتم عمومها تقتضي الوجهين ، فالملامس بالجماع يتيمم ، والملامس باليد يتيمم ، لأن اللمس نقض وضوءه ، وقالت طائفة : هي هنا مخصصة للمس اليد ، والجنب لا ذكر له إلا مع الماء ، ولا سبيل له إلى التيمم ، وإنما يغتسل الجنب أو يدع الصلاة حتى يجد الماء ، روي هذا القول عن عمر رضي الله عنه وعن عبد الله بن مسعود وغيرهما ، وقال أبو حنيفة : هي هنا مخصصة للمس الذي هو الجماع ، فالجنب يتيمم ، واللامس باليد لم يجر له ذكر فليس بحدث ، ولا هو ناقض لوضوء ، فإذا قبّل الرجل امرأته للذة لم ينتقض وضوءه ، ومالك رحمه الله يرى : أن اللمس ينقض إذا كان للذة ، ولا ينقض إذا لم يقصد به اللذة ، ولا إذا كان لابنة أو لأم ، والشافعي رحمه الله يعمم لفظة { النساء } ، فإذا لمس الرجل عنده أمه أو ابنته على أي وجه كان انتقض وضوءه ، وعدم وجود الماء يترتب للمريض وللمسافر حسبما ذكرناه ، ويترتب للصحيح الحاضر بالغلاء الذي يعم جميع الأصناف ، واختلف فيه ، فقال الحسن : يشتري الرجل الماء بماله كله ويبقى عديماً ، وهذا قول ضعيف ، لأن دين الله يسر كما قال صلى الله عليه وسلم ، ويريد بنا اليسر ولم يجعل علينا في الدين من حرج ، وقالت طائفة : يشتري ما لم يزد على القيمة الثلث فصاعداً ، وقالت طائفة : يشتري قيمة الدرهم بالدرهمين والثلاثة ، ونحو هذا ، وهذا كله في مذهب مالك رحمه الله ، وقيل لأشهب : أيشتري القربة بعشرة دراهم ؟ فقال ما أرى ذلك على الناس .

قال القاضي أبو محمد : وقدر هذه المسألة إنما هو بحسب غنى المشتري وحاجته ، والوجه عندي أن يشتري ما لم يؤذ غلاؤه ، ويترتب أيضاً عدم الماء للصحيح الحاضر بأن يسجن أو يربط ، وهذا هو الذي يقال فيه : إنه لم يجد ماء ولا تراباً ، كما ترجم البخاري ، ففيه أربعة أقوال ، فقال مالك وابن نافع : لا يصلي ولا يعيد ، وقال ابن القاسم : يصلي ويعيد ، وقال أشهب : يصلي ولا يعيد وقال اصبغ : لا يصلي ويقضي ، إذا خاف الحضري فوات الوقت إن تناول الماء ، فلمالك رحمه الله قولان في المدونة : إنه يتيمم ولا يعيد ، وقال : إنه يعيد ، وفي الواضحة وغيرها عنه : أنه يتناول الماء ويغتسل وإن طلعت الشمس . وعلى القول بأنه يتيمم ولا يعيد إذا بقي من الوقت شيء بقدر ما كان يتوضأ ويصلي ركعة ، فقيل : يعيد ، وقيل : لا يعيد ، ومعنى قوله { فتيمموا } في اللغة : اقصدوا ، ومنه قول امرىء القيس [ الطويل ]

تَيَمَّمَتِ الْعَيْنَ التي عِنْدَ ضَارِجٍ . . . يفيءُ عَلَيْهَا الظِّلُّ عُرْمُضُها طَامي{[4071]}

ومنه قول أعشى بني ثعلبة : [ المتقارب ]

تَيَمَّمْت قَيْساً وَكَمْ دُونَهُ . . . مِنَ الأَرْضِ مِنْ مَهْمَهٍ ذي شَزَنْ{[4072]}

ثم غلب هذا الاسم في الشرع على العبادة المعروفة ، والصعيد في اللغة : وجه الأرض ، قاله الخليل وغيره ، ومنه قول ذي الرمة : [ البسيط ]

كأَنَّه بالضُّحى تَرمي الصَّعيدَ بِهِ *** دَبَّابَةٌ في عِظَامِ الرَّأسِ خُرْطُومُ{[4073]}

واختلف الفقهاء فيه من أجل تقييد الآية إياه بالطيب ، فقالت طائفة : يتيمم بوجه الأرض ، تراباً كان أو رملاً أو حجارة أو معدناً أو سبخة ، وجعلت «الطيب » بمعنى الطاهر ، وهذا مذهب مالك ، وقالت طائفة منهم : «الطيب » بمعنى الحلال ، وهذا في هذا الموضع قلق ، وقال الشافعي وطائفة : «الطيب » بمعنى المنبت ، كما قال جل ذكره

{ والبلد الطيب يخرج نباته }{[4074]} فيجيء الصعيد على هذا التراب ، وهذه الطائفة لا تجيز التيمم بغير ذلك مما ذكرناه ، فمكان الإجماع : أن يتيمم الرجل في تراب منبت طاهر غير منقول ولا مغصوب ، ومكان الإجماع في المنع : أن يتيمم الرجل على الذهب الصرف ، أو الفضة والياقوت والزمرد ، أو الأطعمة ، كالخبز واللحم وغيرهما ، أو على النجاسات - واختلف في غير هذا كالمعادن ، فأجيز ، وهو مذهب مالك ، ومنع وهو مذهب الشافعي ، وأشار أبو الحسن اللخمي إلى أن الخلاف فيه موجود في المذهب ، وأما الملح فأجيز في المذهب المعدني والجامد ، ومنعا ، وأجيز المعدني ومنع الجامد ، والثلج في المدونة جوازه ، ولمالك في غيرها منعه ، وذكر النقاش عن ابن علية وابن كيسان : أنهما أجازا التيمم بالمسك والزعفران .

قال القاضي أبو محمد : وهذا خطأ بحت من جهات ، وأما التراب المنقول في طبق وغيره ، فجمهور المذهب جواز التيمم به ، وفي المذهب المنع ، وهو في غير المذهب أكثر ، وأما ما طبخ كالآجر والجص ففيه في المذهب قولان ، الإجازة والمنع ، وفي التيمم على الجدار الخلاف ، وأما التيمم على النبات والعود فاختلف فيه في مذهب مالك ، فالجمهور على منع التيمم على العود ، وفي مختصر الوقار{[4075]} : أنه جائز ، وحكى الطبري في لفظة «الصعيد » اختلافاً : أنها الأرض الملساء وأنها الأرض المستوية ، وأن «الصعيد » التراب ، وأنه وجه الأرض .

وترتيب القرآن الوجه قبل اليدين ، وبه قال الجمهور ، ووقع في حديث عمار في البخاري في بعض الطرق تقديم اليدين{[4076]} ، وقاله بعض أهل العلم : قياساً على تنكيس الوضوء ، وتراعى في الوجه حدوده المعلومة في الوضوء ، فالجمهور على أن استيعابه بالمسح في التيمم واجب ، ويتتبعه كما يصنع بالماء ، وأن لا يقصد ترك شيء منه ، وأجاز بعضهم أن لا يتتبع كالغضون في الخفين ، وما بين الأصابع في اليدين{[4077]} ، وهو في المذهب قول محمد بن مسلمة ، ومذهب مالك في المدونة : أن التيمم بضربتين ، وقال ابن الجهم : التيمم واحدة ، وقال مالك في كتاب محمد : إن تيمم بضربة أجزأه ، وقال غيره في المذهب : يعيد في الوقت ، وقال ابن نافع : يعيد أبداً ، وقال مالك في المدونة : يبدأ بأصابع اليسرى على أصابع اليمنى ، ثم يمر كذلك إلى المرفق ، ثم يلوي بالكف اليسرى على باطن الذراع الأيمن ، حتى يصل إلى الكوع ، ثم يفعل باليمنى على اليسرى كذلك ، فظاهر هذا الكلام أنه يستغنى عن مسح الكف بالأخرى ، ووجهه أنهما في الإمرار على الذراع ماسحة ممسوحة ، قال ابن حبيب : يمر بعد ذلك كفيه ، فهذا مع تحكيم ظاهر المدونة خلاف ، قال اللخمي : في كلام المدونة يريد ثم يمسح كفه بالأخرى فيجيء على تأويل أبي الحسن كلام ابن حبيب تفسيراً ، وقالت طائفة : يبدأ بالشمال كما في المدونة ، فإذا وصل على باطن الذراع إلى الرسغ ، مشى على الكف ، ثم كذلك باليمنى في اليسرى ، ووجه هذا القول أن لا يترك من عضو بعد التلبس به موضعاً ، ثم يحتاج إلى العودة إليه بعد غيره ، وقالت طائفة : يتناول بالتراب كما يتناول بالماء في صورة الإمرار دون رتبة ، وقال مالك في المدونة : في المذهب بمسح يديه إلى المرفقين ، فإن مسح إلى الكوعين أعاد في الوقت ، وقال ابن نافع : يعيد أبداً ، قال غيرهما : في المذهب يمسح إلى الكوعين وهذا قول مكحول وجماعة من العلماء ، وفي غير المذهب يمسح الكفين فقط ، وفي ذلك حديث عن عمار بن ياسر{[4078]} ، وهو قول الشعبي ، وقال ابن شهاب : يمسح إلى الآباط ، وذكره الطبري عن أبي بكر الصديق أنه قال لعائشة حين نزلت آية التيمم : إنك لمباركة ، نزلت فيك رخصة ، فضربنا ضربة لوجوهنا ، وضربة بأيدينا إلى المناكب والآباط ، {[4079]} وفي مصنف أبي داود عن الأعمش : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مسح إلى أنصاف ذراعيه ، ولم يقل بهذا الحديث أحد من العلماء فيما حفظت ، وما حكى الداودي{[4080]} من أن الكوعين فرض والمرافق سنة والآباط فضيلة ، فكلام لا يعضده قياس ولا دليل ، وإنما عمم قوم لفظة اليد فأوجبوه من المنكب ، وقاس قوم على الوضوء فأوجبوه من المرافق ، وعمم جمهور الأمة{[4081]} ، ووقف قوم مع الحديث في الكوعين ، وقيس أيضاً على القطع{[4082]} ، إذ هو حكم شرعي وتطهير ، كما هذا تطهير ، ووقف آخرون مع حديث عمار في الكفين ، واختلف المذهب في تحريك الخاتم وتخليل الأصابع على قولين ، يجب ولا يجب .


[4055]:- أخرج عبد بن حميد، وأبو داود، والترمذي وحسنه، والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والنحاس، والحاكم وصححه، عن علي بن أبي طالب قال: (صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاما فدعانا وسقانا من الخمر، فأخذت الخمر منا، وحضرت الصلاة فقدموني، فقرأت: قل يا أيها الكافرون، لا أعبد ما تعبدون، ونحن نعبد ما تعبدون، فأنزل الله: {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون} [الدر المنثور].
[4056]:- حجته في ذلك ما رواه البخاري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا نعس أحدكم وهو يصلي فلينصرف فلينم حتى يعلم ما يقول)، وابن عطية يرى أن قول الضحاك ضعيف لأن الحديث يعطي حكما آخر، وليس شرحا للآية.
[4057]:- نحو: ندمان وندامى، وهو جمع تكسير- عن "البحر المحيط" 3/ 255- أما قراءة الجمهور فهي [سكارى] بالضم، ومذهب سيبويه أنها جمع تكسير، قال في حد تكسير الصفات: "وقد يكسرون بعض هذا على فُعالى، وذلك قول بعضهم: سكارى وعجالى، فهذا نص منه على أنه جمع، ولهذا قال أبو حيان: ووهم الأستاذ أبو الحسن ابن الباذش فنسب إلى سيبويه أنها اسم جمع، قال ابن الباذش: "وهو القياس، لأنه جاء على بناء لم يجئ عليه جمع ألبتة".
[4058]:- يلاحظ أن في هذا تكرارا مع قوله قبل قليل: "وقرأت فرقة: [سَكْرى] بفتح السين على مثال: فعلى".
[4059]:- جاء في اللسان: "وقال سيبويه (عن معنى قوم روْبَى): "هم الذين أسخنهم السفر والوجع فاستثقلوا نوما، ويقال: شربوا من الرائب فناموا، قال بشر: فأما تميم، تميم بن مرّ فألفاهم القوم روْبى نياما ثم قال: "وهو في الجمع شبيه بهلكى وسكْرى، واحدهم: روْبان، وقال الأصمعي: واحدهم: رائب، مثل مائق وموقى، وهالك وهلكى.
[4060]:- الميد: ما يصيب من الحيرة عن السكر، أو الغثيان، أو ركوب البحر، وقد ماد فهو مائد، من قوم ميدى كرائب ورَوْبى، قال الفراء: سمعت العرب تقول: الميْدى: الذين أصابهم الميْد من الدوار (اللسان).
[4061]:- القول الأول هو قول أبي حنيفة، والثاني هو قول الشافعي، وترتب على ذلك الاختلاف في معنى قوله تعالى بعد ذلك: [ولا جنبا إلا عابري سبيل] كما سيأتي.
[4062]:- قال أبو (ح) في "البحر المحيط": هذه حالة معطوفة على قوله: [وأنتم سكارى] إذ هي جملة حالية، والجملة الاسمية أبلغ لتكرار الضمير، فالتقييد بها أبلغ في الانتفاء منها من التقييد بالمفرد الذي هو [ولا جنبا]، ودخول (لا) دال على مراعاة كل قيد منهما بانفراده، وإذا كان النهي عن إيقاع الصلاة مصاحبة لكل حال بانفراده فالنهي عن إيقاعهما بهما مجتمعين أدخل في الحظر. اهـ 3/ 256.
[4063]:- لقوله عليه الصلاة والسلام: (إنما الماء من الماء) أخرجه مسلم، وفي البخاري عن أبي بن كعب أنه قال: (يا رسول الله، إذا جامع الرجل المرأة فلم ينزل؟ قال: يغسل ما مس المرأة منه، ثم يتوضأ ويصلي). قال أبو عبد الله "يعني البخاري": الغسل أحوط، وذلك الآخر "يريد الرأي الآخر الدال على عدم الغسل" إنما بيناه لاختلافهم، وأخرجه مسلم بمعناه في صحيحه. قال أبو إسحاق: "هذا منسوخ"، وقال الترمذي: "كان هذا الحكم في أول الإسلام ثم نسخ"، وقد كان هناك خلاف بين الصحابة في هذا الموضوع، ثم رجعوا فيه إلى رواية عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا جلس بين شعبها الأربع، ومس الختان الختان فقد وجب الغسل). أخرجه مسلم. (عن القرطبي)
[4064]:- في اللسان: "وجمل عبر أسفار، وجمال عبر أسفار، يستوي فيه الواحد والجمع والمؤنث، مثل الفلك، وكذلك عبر أسفار، وناقة عبر أسفار وسفر، وعبر، وعبر: قوية على السفر، تشق ما مرت به، وتقطع الأسفار عليها".
[4065]:- العيرانة: الناجية في نشاط، أو هي الناقة الصلبة تشبيها لها بعير الوحش. والسّرح: السريعة المشي، وشملة بكسر الأول وتشديد اللام: الخفيفة السريعة المشمرة، والهزفّ: الجافي من الظلمان- أو: الطويل الريش، والخاضب: الظليم إذا أكل الربيع فاحمرت ساقاه وقوادمه.
[4066]:-أخرجه ابن جرير عن يزيد بن حبيب. (الدر المنثور)
[4067]:- المريسيع مصغر مرسوع: بئر أو ماء لخزاعة على يوم من الفرع، وإليه تضاف غزوة بني المصطلق.
[4068]:- يريد (عقد) عائشة رضي الله عنها، وفي البخاري، والترمذي، وسيرة ابن هشام أن القلادة كانت لأسماء واستعارتها عائشة، وأنها قد انقطعت، ثم وجدوها تحت البعير.
[4069]:- كل مرماة بالسهم تسمى: غلوة، والجمع: غلوات وغلاء، وفي المثل: جري المذكيات غلاء، ويقال: غلا بالسهم غلوا وغلوا: رفع يديه لأقصى الغاية، وغلا السهم: ارتفع في ذهابه وجاوز المدى. (القاموس المحيط).
[4070]:- وهي في هذا مثل: ميّت- وقيل: غيط مصدر، إذ قالوا: غاط يغيط، أما (الغائط) فجمعه: الغيطان أو الأغواط، وبه سميت غوطة دمشق.
[4071]:- البيت في وصف ناقته، أو بعض الحمر الوحشية. ومعنى تيممت: قصدت، وضارج: اسم موضع في بلاد بني عبس، والعرمض: الطحلب، وقيل: بل الخضرة على الماء، أما الطحلب فيكون كأنه نسيج العنكبوت، وطامي: مرتفع.
[4072]:- المهمه: المفازة البعيدة، والجمع: مهامهْ، والشزن: الأرض الغليظة والجمع: شزن وشزون. قال الصاغاني: الرواية: تيمم قيسا إلخ، على الفعل المضارع، أي تيمم ناقتي، أي: تقصد. وقبله فأفنيتها وتعاللتها على صحصح كرداء الردن ومثل البيتين اللذين أوردهما المؤلف قول حُميد بن ثور: سل الربع أنى يممت أم طارق وهل عادة للربع أن يتكلما
[4073]:- الصعيد: التراب، أو وجه الأرض، قال تعالى: [فتصبح صعيدا زلقا]، والدبابة: يريد بها هنا الخمر، وقد ورد في بعض النسخ (ذبابة) بالذال المعجمة، والرواية الصحيحة هي ما ذكرناه، وهكذا وردت بالقرطبي، والخرطوم: الخمر السريعة الإسكار-يقول: إن ولد الظبية لا يرفع رأسه، وكأنه رجل سكران صرعته الخمر السريعة الإسكار.
[4074]:- من قوله تعالى في الآية (58) من سورة (الأعراف): {والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه}.
[4075]:- الوقار على وزن سحاب: لقب لزكريا بن يحيى بن إبراهيم المصري الفقيه. (عن معلق القرطبي)
[4076]:- أخرج ابن أبي شيبة، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة- عن عمار بن ياسر قال: (كنت في سفر فأجنبت فتمعكت فصليت، ثم ذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إنما كان يكفيك أن تقول هكذا): ثم ضرب بيده الأرض فمسح بهما وجهه وكفيه). وتقديم اليدين إنما وقع في بعض الطرق في البخاري. ومعنى (تمعّك): تمرغ في التراب وتقلّب فيه.
[4077]:- في بعض النسخ: "وما بين الأصابع في الرأس"، وهي عبارة القرطبي أيضا، وما ذكرناه أقرب إلى الصواب.
[4078]:- هو الحديث الذي ذكرناه في الهامش رقم (1) في صفة (82)، إذ نصه: "فمسح بهما وجهه وكفيه".
[4079]:- أخرجه ابن جرير- والبيهقي في سننه عن عمار بن ياسر. ثم ذكر صاحب "الدر المنثور" بعد أن أورد الحديث أن الشافعي قال: هذا منسوخ، لأنه أول تيمم كان حين نزلت آية التيمم، فكل تيمم جاء بعده يخالفه فهو له ناسخ، اهـ. (الدر المنثور2/ 167).
[4080]:- عبارة القرطبي: "وحكي عن الداروردي أن الكوعين فرض والآباط فضيلة" وأشار معلقه إلى عبارة ابن عطية.
[4081]:- في بعض النسخ: وعمم جمهور الأمة. وما اخترناه يتمشى مع بقية الكلام، وهو أقرب إلى ما نقله القرطبي عن ابن عطية، فروايته عنه تقول: "وها هنا جمهور الأمة".
[4082]:- روى القرطبي عن مكحول أنه قال: اجتمعت أنا والزهري فتذاكرنا التيمم، فقال الزهري: المسح إلى الآباط، فقلت عمن أخذت هذا؟ فقال: عن كتاب الله عز وجل، إن الله تعالى يقول: {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم} فهي يد كلها، قلت له، فإن الله تعالى يقول: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما}- فمن أين تقطع اليد؟ قال: فخصمته.