جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَقۡرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمۡ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعۡلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغۡتَسِلُواْۚ وَإِن كُنتُم مَّرۡضَىٰٓ أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوۡ جَآءَ أَحَدٞ مِّنكُم مِّنَ ٱلۡغَآئِطِ أَوۡ لَٰمَسۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمۡ تَجِدُواْ مَآءٗ فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدٗا طَيِّبٗا فَٱمۡسَحُواْ بِوُجُوهِكُمۡ وَأَيۡدِيكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا} (43)

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ{[1016]} آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ{[1017]} } اجتنبوها حال السكر ، نزلت في جمع من الصحابة شربوا –الخمر قبل تحريمه وتقدم أحدهم للإمامة وقرأ ( قل يا أيها{[1018]} الكافرون أعبد ما تعبدون ) قال الضحاك : عنى به سكر النوم لا سكر الخمر { ولا جُنبا } عطف على ( وأنتم سكارى ) { إلا عابري{[1019]} سبيل } مسافرين حين فقد الماء فإنه جائز للجنب حينئذ الصلاة ، أو معنى الآية لا تقربوا مواضع الصلاة في حال السكر ولا في حال الجنابة إلا حال العبور فيها فجاز المرور لا اللبث وعليه كلام أكثر السلف { حتى تغتسلوا } من الجنابة { وإن كنتم مرضى{[1020]} } مرضا يخاف معه من استعمال الماء ، وقيل : مطلقا ، قال مجاهد : نزلت في مريض من الأنصار لم يكن له خادم ولم يستطع أن يقوم ويتوضأ { أو على سفر } طويلا أو قصيرا { أو جاء أحد منكم من الغائط } هو المكان المطمئن ، وهو كناية عن الحدث الأصغر { أو لامستم النساء } جامعتموهن{[1021]} أو ماسستم بشرتهن ببشرتكم { فلم تجدوا ماء } الظاهر أنه قيد للكل ، والمريض الخائف من استعماله أو غير المستطيع أخذه كأنه لم يجد ، فالحاصل أن الله تعالى رخص في التيمم لفاقد الطهرين حال فقدان الماء لخوف عدو أو إرهاف في موضع لا ماء فيه ، أو عدم آلة استقاء أو غير ذلك مما يقع قليلا ، ويمكن أن يكون قيدا للآخرين ولهذا غير الأسلوب ولم يقل : أو جنبتم وأما المرضى إذا خافوا من استعمال الماء أو لم يقدروا والمسافر إذا احتاج هو أو رفيقه أو حيوان محترم معه حالا أو مالا فلهم التيمم ، وأما فاقدوا الطهرين إذا لم يجدوا ماء فلهم التيمم { فتيمّموا صعيدا طيّباً } أي : قصدوا ترابا{[1022]} أو ما يصعد من الأرض طاهرا أو حلالا { فامسحوا بوجوهكم وأيديكم } اليد يطلق على ما يبلغ المرفقين كما في الوضوء ، وعلى ما يبلغ الكوعين كما في السرقة ( فاقطعوا أيديهما ) ( المائدة : 38 ) ، فلذلك اختلفوا أنه يجب المسح{[1023]} إلى المرفقين أو لا { إن الله كان عفوّا غفورا } يسهل ولا يعسر .


[1016]:ولما ذكر الوقوف بين يدي الله تعالى في الآخرة وحذرهم عن التلوث بالخبائث عقبه بأمر الوقوف بين يديه في الدنيا، وأمره بتطهير ظاهره وباطنه فقال: (يا أيها الذين)/12 وجيز.
[1017]:فلا تقعون في تخليط كلام، وعلم منه أن النهي مستمر إلى هذا الوقت/12 وجيز.
[1018]:رواه الترمذي وقال: حسن صحيح/12. [أخرجه أبو داود (3671) والترمذي (3229) عن علي –رضي الله عنه- قال: صنع لنا عبد الرحمان بن عوف طعاما فدعانا وسقانا من الخمر، فأخذت الخمر منا، وحضرت الصلاة، فقدموني فقرأت {قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون} ونحن نعبد ما تعبدون ..... الحديث. قال الترمذي (حسن غريب صحيح) وصححه الشيخ الألباني في (صحيح الترمذي) (2422)].
[1019]:الاستثناء مفرغ واقع موقع الحال من المخاطبين أي: لا تقربوا الصلاة جنبا كائنين على حال من الأحوال إلا مسافرين، أو مواضع الصلاة كائنين على حال إلا مارين غير لابثين/12 ج.
[1020]:والظاهر أن المرض بمجرده مسوغ للتيمم وإن كان الماء موجودا إذا كان يتضرر باستعماله في الحال أو في المآل، ولا تعتبر خشية التلف فالله سبحانه يقول: (يريد الله بكم اليسر) (البقرة: 185)، ويقول: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) (المائدة: 5) والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الدين يسر) ويقول: (يسروا ولا تعسروا) وقال: (قتلوه قتلهم الله) ويقول: (أمرت بالشريعة السمحة) فإذا قلنا: إن قيد عدم وجود الماء راجع إلى الجميع كان وجه التنصيص على المريض هو أنه يجوز له التيمم والماء حاضر موجود إذا كان استعماله يضره، فيكون اعتبار ذلك القيد في حقه إذا كان استعماله لا يضره فإن في مجرد المرض مع عدم الضرر باستعمال الماء ما يكون مظنة لعجزه عن الطلب؛ لأنه يلحقه بالمرض نوع ضعف، وأما وجه التنصيص على المسافر فلا شك أن الضرب في الأرض مظنة لإعواز الماء في بعض البقاع دون بعض/12 فتح.
[1021]:وعليه الجمهور/12 وجيز.
[1022]:طاهرا كما ورد في الصحيح: (جعلت لنا الأرض مسجدا وجعل ترابها طهورا)/12 وجيز. [ أخرجه مسلم في (المساجد)/باب: مواضع الصلاة].
[1023]:ففي صحيح مسلم: التيمم مسح الوجه ومسح الكفين، وأما الفرق بين مسحت رأسه وبرأسه فبأن الباء لا يزاد إلا أن يكون بيده شيء كالدهن أو الماء أو التراب كما فهم من كلام المهرة من أهل اللغة، وصرح بذلك بعض العلماء من العظماء/12 وجيز. هذا المسح مطلق يتناول المسح بضربة أو ضربتين، ويتناول المسح إلى المرفقين أو إلى الرسغين، وحاصل ما قال الشوكاني في شرحه للمنتقى: إن أحاديث الضربتين لا يخلو جميع طرقها من مقال، ولو صحت لكان الأخذ بها متعينا لما فيها من الزيادة، فالحق الوقوف على ما ثبت في الصحيحين من حديث عمار من الاقتصار على ضربة واحدة حتى تصح الزيادة على ذلك المقدار. قال الخطابي: لم يختلف أحد من العلماء في أنه لا يلزم مسح ما وراء المرفقين واحتجوا بالقياس على الوضوء، وهو فاسد الاعتبار. قال الحافظ: إن الأحاديث الواردة في صفة التيمم لم يصح منها سوى حديث أبي جهم وعمار وما عداهما فضعيف أو مختلف في رفعه ووقفه، والراجح عدم رفعه فالحق مع أهل المذهب الأول حتى يقوم دليل يجب المصير إليه، ولا شك أن الأحاديث المشتملة على الزيادة أولى بالقبول، ولكن إذا كانت صالحة للاحتجاج بها وليس في الباب شيء من ذلك.