الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَقۡرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمۡ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعۡلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغۡتَسِلُواْۚ وَإِن كُنتُم مَّرۡضَىٰٓ أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوۡ جَآءَ أَحَدٞ مِّنكُم مِّنَ ٱلۡغَآئِطِ أَوۡ لَٰمَسۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمۡ تَجِدُواْ مَآءٗ فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدٗا طَيِّبٗا فَٱمۡسَحُواْ بِوُجُوهِكُمۡ وَأَيۡدِيكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا} (43)

قوله تعالى : { يا أيها الذين ءَامَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصلاة وَأَنتُمْ سكارى حتى تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ . . . } [ النساء :43 ] .

نزَلَتْ قبل تحريم الخَمْر ، وجمهورُ المفسِّرين على أن المراد سُكْر الخَمْر ، إلاَّ الضَّحَّاك ، فإنه قال : المُرَادُ سُكْر النَّوْمِ ، وهذا قولٌ ضعيفٌ ، والمرادُ بالصَّلاة هنا الصلاةُ المعروفةُ ، وقالَتْ طائفةٌ : الصلاة هنا المرادُ بها مَوْضِعُ الصلاةِ ، والصلاةُ معاً .

قال ابنُ العربيِّ في " الأحكام " : ورُوِيَ في سبب نزولِ هذه الآيةِ عن عَلِيٍّ ( رضي اللَّه عنه ) ، أنه قَالَ : صَنَعَ لنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ طَعَاماً ، فَدَعَانَا ، وسَقَانَا مِنَ الخَمْرِ ، يَعْنِي : وَذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِهَا قَالَ : فَأَخَذَتِ الخَمْرُ مِنَّا ، وَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَقَدَّمُونِي ، فَقَرَأْتُ : { قُلْ يا أيها الكافرون ، لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ، وَنَحْنُ نَّعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ، قَال فَأَنزَلَ الله تَعَالَى { يا أيها الذين ءَامَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصلاة وَأَنتُمْ سكارى حتى تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ . . . } خرَّجه الترمذيُّ وصحَّحه ، انتهى .

وقوله : { وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ }[ النساء :43 ] .

قال عليُّ بن أبي طالبٍ ( رضي اللَّه عنه ) وغيره : ( عَابِرُ السَّبِيلِ ) : المُسَافِرُ .

وقال ابنُ مسعودٍ ، وغيره : عابر السَّبيل هنا : الخَاطِرُ في المَسْجِد ، وعَابِرُ سَبِيلٍ هو مِنَ العبور ، أي : الخطور والجَوَازُ ، والمريضُ المذكورُ في الآية هو الحَضَرِيُّ ، وأصل الغائِطِ ما انخفض مِنَ الأرض ، ثم كَثُر استعماله في قضاء الحَاجَةِ ، واللَّمْسُ في اللغةِ لَفْظٌ يقعُ لِلَّمْسِ الَّذي هو الجِمَاعُ ، ولِلَّمْسِ الذي هو جَسُّ اليدِ والقُبْلَةُ ، ونَحْوُهُ ، واختلف في موقِعِهَا هنا ، فمالكٌ ( رحمه اللَّه ) يقولُ : اللفظةُ هنا تقتضِي الوَجْهَيْنِ ، فالملامِسُ بالجِمَاعِ يتيمَّم ، والملامِسُ باليد يتيمَّم ، ومعنى قوله سبحانه : { فَتَيَمَّمُواْ } : اقصدوا ، والصَّعِيدُ ، في اللغة : وَجْه الأرضِ ، قاله الخَلِيلُ ، وغيره ، واختلف الفُقَهاءُ فيه من أجْلِ تقييدِ الآيةِ إياه بالطَّيِّبِ .

فقالتْ طائفة : يتيمَّم بوَجْه الأرْض ، تراباً كان أو رَمْلاً أو حجارةً أو مَعْدِناً أو سَبِخَةً ، وجعلَتِ الطِّيب بمعنى الطَّاهر ، وهذا هو مذهَبُ مالكٍ ، وقالتْ طائفة منهم : الطِّيب بمعنى المُنْبِتِ ، كما قال تعالى : { والبلد الطيب يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبّهِ }[ الأعراف : 58 ] ، فالصعيد عندهم هو الترابُ ، وهذه الطائفةُ لا تُجِيزُ التيمُّم بغيره ، فمكانُ الإجماع أنْ يتيمَّم في تُرَابٍ مُنْبِتٍ طاهرٍ غَيْرِ مَنْقُولٍ ، ولا مَغْصُوبٍ ، وترتيبُ القرآن الوجْهُ قبل اليدَيْنِ ، وبه قال الجمهور ، وفي " المدوَّنة " ، أنَّ التيمُّم ضربتانِ ، وجمهورُ العلماء أنَّه ينتهِي في مَسْح اليدَيْن إلى المرافق .