قوله : ( يَأَيُّهَا الذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ) الآية [ 43 ] .
( جُنُباً ) و( عَابِرِي سَبِيلٍ ) نصب على الحال( {[12520]} ) .
ومعنى ( سُكَارَى ) أي : من الخمر ، وهذا قبل تحريم الخمر فأمرهم الله ألا يقربوها ، وهم سكارى حتى يعلموا ما يقولون .
وقيل : إن ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم شربوا الخمر قبل تحريمها ، فصلى بهم أحدهم فقرأ : ( قُلْ يَأَيُّهَا الكَافِرُونَ ) فخلط فيها ، فنزلت الآية ، ينهاهم( {[12521]} ) عن قرب الصلاة في حال السكر حتى يعلموا ما يقرأون( {[12522]} ) ثم نسخ شربها بالتي في المائدة( {[12523]} ) .
وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال : " فِيَّ أنزلت الآية " ( لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ) قال : دعانا رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم طلحة وغيره( {[12524]} ) فأكلنا وشربنا . فقدموني إلى الصلاة فقرأت فيها : ( قل يا أيها الكافرون ، أعبد ما تعبدون ، وأنتم عابدون ما أعبد ، وأنا عابد ما تعبدون ) فكان هذا تحريم الخمر( {[12525]} ) . وقيل هي محكمة .
ومعنى السكر هنا : " السكر من النوم " ( {[12526]} ) ، قاله الضحاك( {[12527]} ) .
وعلى القول الأول أكثر أهل التفسير والعلماء لتواتر الأخبار أنها نزلت في الخمر قبل تحريمه .
قوله : ( وَلاَ جُنُباً اِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ ) أي : لا تقربوها جنباً إلا أن تمروا [ ب ]( {[12528]} ) موضعها مجتازين حتى تغتسلوا .
وقيل المعنى : في ( اِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ ) أي : إلا أن تكونوا مسافرين فتتيمموا( {[12529]} ) لها( {[12530]} ) . وقال علي بن أبي طالب وقاله مجاهد وابن جبير قال : هو( {[12531]} ) الرجل يكون في السفر تصيبه جنابة فيتيمم ويصلي . وعليه جماعة من أهل التفكير فيكون المعنى لا تصلوا وأنتم جنب( {[12532]} ) إلا أن تكونوا مسافرين غير واجدين للماء( {[12533]} ) ، وقيل : معنى لا تقربوا مواضع الصلاة جنباً إلا عابري سبيل أي : أن تكونوا مجتازين في المسجد( {[12534]} ) .
[ قال ابن عباس ( اِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ )( {[12535]} ) . قال لا تقربوا( {[12536]} ) المسجد إلا أن يكون طريقك فتمر فيه مراً ولا تجلس ، وقال النخعي : يمر فيه إذا لم يجد طريقاً غيره( {[12537]} ) .
وقال ابن زيد : نزلت في رجل من الأنصار كانت أبوابهم في المسجد ، وكانت تصيبهم الجنابة ولا ماء عندهم ، يريدون الماء فلا يجدون ممراً ، إلا المسجد ، فأنزل الله عز وجل ( وَلاَ جُنُباً اِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ ) رخصة لهم( {[12538]} ) .
وذهب مالك والشافعي أن الجنب يمر في المسجد عابر سبيل( {[12539]} ) .
قال مالك : لا تدخل الحائض المسجد ، وأرخص لها غيره أن تمر فيه كالجنب( {[12540]} ) .
وقال ابن حنبل : إذا توضأ الجنب فلا بأس أن يجلس في المسجد( {[12541]} ) .
والجنب هنا من أنزل في قول جماعة من العلماء دون أن يجامع ولا ينزل ، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
" الماء من الماء " ( {[12542]} ) فلا غسل عليه إلا بإنزال الماء عند جماعة من الصحابة هو قول علي وابن مسعود والخدري وابن عباس وأُبي بن كعب ، وسعد بن أبي وقاص( {[12543]} ) ، ورافع بن خديج( {[12544]} ) ، وأبي أيوب الأنصاري( {[12545]} ) .
قال غيرهم : والجنب في الآية من أنزل ، أو التقى منه الختانان( {[12546]} ) ، وإن لم ينزل لأن في كلاهما الطهر عندهم ، فمن أولج ، ولم ينزل بمنزلة من أنزل في الحكم فكلاهما لا يقرب المسجد إلا عابري سبيل .
وإيجاب الطهر من التقاء الختانين ، وإن لم ينزل قول عامة الفقهاء ، وهو قول عمر ، وعثمان ، وابن عمر ، وأبي هريرة ، وعائشة ، وغيرهم وهو مذهب مالك والشافعي والثوري وأهل العراق ، وجماعة من الفقهاء( {[12547]} ) ، وقد تواترت الأخبار بإيجاب الغسل من التقاء الختانين عن النبي عليه السلام( {[12548]} ) .
قوله : ( وَإِن كُنتُم مَّرْضَى ) أي : بجرح أو جُدري أو غير ذلك من الأمراض المانعة من( {[12549]} ) الغسل فتيمموا( {[12550]} ) .
قال مالك : المرض هنا هو المريض الذي به جراحة ، رخص له في التيمم( {[12551]} ) .
وقيل : المريض هنا هو الذي لا يجد من يأتيه بالماء( {[12552]} ) .
( أَوْ عَلَى سَفَرٍ ) أي : مسافرين غير واجدين الماء وأنتم جنب فتيمموا .
قوله : ( اَوْ جَاءَ احَدٌ مِّنْكُم مِّنَ الْغَائِطِ ) أي : من قضى حاجته فلم يجد ماء فليتيمم ، والغائط : ما اتسع من الأرض ، وقيل : هو الموضع المنخفض المستور وكثر ذلك حتى قيل لمن قضى حاجته متغوط( {[12553]} ) . قال أبو عبيدة : " أصل الغائط المكان المطمئن من الأرض " ( {[12554]} ) .
قوله : ( أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ ) اللمس هنا الجماع ، وقيل : هو ما دون الجماع ، أرخص الله لهم أن يتيمموا إذا لم يجدوا ماء ، والمقيم والمسافر في جواز التيمم له عند عدم الماء سواء ، وعلى من عدم الماء التيمم لكل صلاة لأنه يطلب الماء لكل صلاة وعند عدمه يتيمم( {[12555]} ) . ومعنى لمستم( {[12556]} ) أو لامستم واحد .
وقيل : لامستم يريد به الجماع ، ولمستم : القبلة والمباشرة( {[12557]} ) .
وقال المبرد : " لمستم الأولى( {[12558]} ) أن يكون بمعنى قَبَّلْتُم ، لأن لكل واحد منهما فعلاً( {[12559]} ) ، ولمستم بمعنى غشيتم ، ومسستم أن المرأة ليس لها في هذا الفعل شيء فلمستم بمعنى غشيتم( {[12560]} ) . وقال أبو عمرو : " لامستم بمعنى : الجماع " . ومذهب الكسائي : أن اللمس بمعنى الغمز والإفضاء ببعض الجسد إليها .
والصعيد : الأرض الملساء التي لا نبت فيها قاله قتادة( {[12561]} ) . وقيل : هو الأرض المستوية ، قاله ابن زيد( {[12562]} ) . وقيل( {[12563]} ) : الصعيد التراب ، وقيل( {[12564]} ) : وجه الأرض .
والصعيد في( {[12565]} ) اللغة وجه الأرض( {[12566]} ) ، والطيب هنا النظيف الطاهر ، وقال سفيان : " معنى طيباً " أي حلال لكم ، كما تقول هنالك ذلك( {[12567]} ) .
قوله : ( بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمُ ) أي منه ، ومسح الأيدي في التيمم هو إلى حد الوضوء إلى المرفقين ، وهو قول ابن عمر والحسن والشعبي وسالم بن عبد الله ، وهو قول مالك والليث والثوري والشافعي وعبد العزيز بن أي سلمة( {[12568]} ) وأصحاب الرأي .
وقيل : التيمم إلى( {[12569]} ) الكفين( {[12570]} ) إلى الزندين( {[12571]} ) ، وهو موضع قطع السارق ، وهو( {[12572]} ) مذهب عكرمة ، والأوزاعي وابن جبير ومكحول وعطاء ، وروي ذلك عن ابن المسيب والنخعي وغيرهم .
وقيل التيمم إلى الآباط ، وهو قول الزهري( {[12573]} ) .
وهذه الآية نزلت في قوم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نزلت بهم جنابة في سفر فلم يجدوا ماء ، وشاهد هذا القول ما قالت عائشة رضي الله عنها في قصة العقد فكانت الآية ، والرخصة من بركتها رضوان الله عليها( {[12574]} ) .