لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَقۡرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمۡ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعۡلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغۡتَسِلُواْۚ وَإِن كُنتُم مَّرۡضَىٰٓ أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوۡ جَآءَ أَحَدٞ مِّنكُم مِّنَ ٱلۡغَآئِطِ أَوۡ لَٰمَسۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمۡ تَجِدُواْ مَآءٗ فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدٗا طَيِّبٗا فَٱمۡسَحُواْ بِوُجُوهِكُمۡ وَأَيۡدِيكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا} (43)

النُّهيُ عن موجب السكر من الشراب لا من الصلاة ، أي لا تصادفنكم الصلاة وأنتم بصفة السُّكْر ، أي امتنعوا عن شُرْبِ ما يُسْكِر فإنكم إن شربتم سكرتم ، ثم إذا صادفكم الصلاة على تلك الحالة لا تُقْبَل منكم صلاتكم .

والسُّكْر ذهاب العقل والاستشعار ، ولا تَصحُّ معه المناجاة مع الحق .

المُصَلِّي يناجي ربَّه ؛ فكلُّ ما أوجب للقلب الذهول عن الله فهو ملحق بهذا من حيث الإشارة ؛ ولأجل هذه الجملة حَصَلَ ، والسُكْرُ على أقسام :

فسُكْرٌ من الخمر وسُكْرٌ من الغفلة لاستيلاء حب الدنيا .

وأصعب السكر سكرك من نفسك فهو الذي يلقيك في الفرقة عنه ، فإنَّ مَنْ سَكِرَ من الخمر فقصاراه الحرقة - إن لم يُغْفَر له . ومن سكر من نفسه فحاله الفرقة - في الوقت - عن الحقيقة .

فأمَّا السُكْر الذي يشير إليه القوم فصاحبه محفوظٌ عليه وقته حتى يصلي والأمر مخفف عليه : ( فإذا خرج عن الصلاة هجم عليه غالبُه فاختطفه عنه ومن لم يكن محفوظاً ) عليه أحكام الشرع ( فمشوبُ بحظ ) .

وقوله تعالى : { وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِى سَبِيلٍ } . . . الآية : أذن للمضطر أن يترخَّص في عبور المسجد وهو على وصف الجنابة ، فإذا عرج زائداً على قدر الضرورة فمُعَاتَبٌ غيرُ معذور ، وكذلك فيما يحصل من محاذير الوقت في القيام بشرائط الوقت فمرفوعةٌ عن صاحبه المطالبة به .

ثم إنه - سبحانه - بفضله جعل التيمم بدلاً من الطهارة بالماء عند عَوَزِ الماء كذلك النزولُ إلى ساحات الفَرْقِ عن ارتقاء ذرة الجمع - بِقَدْر ما يحصل من الضعف - بَدَلٌ لأهل الحقائق .

ثم إن التيمم - الذي هو بَدَلُ الماء - أعمُّ وجوداً من الماء ، وأقلُّ استعمالاً من الأصل ، فإن كل من كان أقرب كانت المطالبات عليه أصعب .

ثم في الظاهر أمَرْنا باستعمال التراب وفي الباطن باستشعار الخضوع واستدامة الذبول .

وردَّ التيمم إلى التقليل ، وراعى فيه صيانةً لرأسِك عن التُّراب ولقَدَمِك ؛ فإنَّ العزَّ بالمؤمن - ومولاه باستحقاق الجلال - أوْلى من الذل لِمَا هو مفلس فيه من الحال ، ولئن كان إفلاسه عن أعماله يوجب له التذلُّل فعرفانُه بجلال سيِّده يوجب كل تَعَزُّزٍ وتَجَمُّل .