تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَقۡرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمۡ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعۡلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغۡتَسِلُواْۚ وَإِن كُنتُم مَّرۡضَىٰٓ أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوۡ جَآءَ أَحَدٞ مِّنكُم مِّنَ ٱلۡغَآئِطِ أَوۡ لَٰمَسۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمۡ تَجِدُواْ مَآءٗ فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدٗا طَيِّبٗا فَٱمۡسَحُواْ بِوُجُوهِكُمۡ وَأَيۡدِيكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا} (43)

{ يا أيها الذين آمنوا ولا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } ، لما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم : "قد قدم الله عز وجل تحريم الخمر إلينا" ، وذلك أن عبد الرحمن بن عوف الزهري صنع طعاما ، فدعا أبا بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وسعد بن أبي وقاص ، رحمهم الله جميعا ، فأكلوا وسقاهم خمرا ، فحضرت صلاة المغرب ، فأمهم علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، فقرأ : { قل يا أيها الكافرون } ( الكافرون : 1 ) ، فقال في قراءته : نحن عابدون ما عبدتم ، فأنزل الله عز وجل في علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، وأصحابه : { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } { حتى تعلموا ما تقولون } في صلاتكم ، فتركوا شربها إلا من بعد صلاة الفجر إلى الضحى الأكبر ، فيصلون الأولى وهم أصحياء .

ثم إن رجلا من الأنصار يسمى عتبان بن مالك دعا سعد بن أبي وقاص إلى رأس بعير مشوى ، فأكلا ثم شربا فسكرا ، فغضب الأنصاري ، فرفع لحى البعير فكسر أنف سعد ، فأنزل الله عز وجل تحريم الخمر في المائدة بعد غزوة الأحزاب ، ثم قال سبحانه : { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } { ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا } ، ثم استثنى المسافر الذي لا يجد الماء ، فقال سبحانه : { إلا عابري سبيل } ، { وإن كنتم مرضى أو على سفر } ، نزلت في عبد الرحمن بن عوف ، أصابته جنابة وهو جريح ، فشق عليه الغسل ، وخاف منه شرا ، أو يكون به قرح أو جدري ، فهو بهذه المنزلة ، فذاك قوله سبحانه : { وإن كنتم مرضى } ، يعني به جرحا فوجدتم الماء ، فعليكم التيمم .

وإن كنتم على سفر وأنتم أصحاء ، نزلت في عائشة أم المؤمنين ، رضي الله عنها ، { أو جاء أحد منكم من الغائط } ، يعني الخلاء ، { أو لمستم النساء } ، يعني جامعتم ، { فلم تجدوا ماء فتيمموا } ، يقول : الصحيح الذي لا يجد الماء ، والمريض الذي يجد الماء يتيمموا { صعيدا طيبا } ، يعني حلالا طيبا ، { فامسحوا بوجوهكم وأيديكم } إلى الكرسوع ، { إن الله كان عفوا } عنكم { غفورا } لما كان منكم قبل النهى عن السكر والصلاة والتيمم بغير وضوء ، وقد نزلت آية التيمم في أمر عائشة ، رضي الله عنها ، بين الصلاتين .