تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{سَنُرِيهِمۡ ءَايَٰتِنَا فِي ٱلۡأٓفَاقِ وَفِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّۗ أَوَلَمۡ يَكۡفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ} (53)

ثم قال : { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ } أي : سنظهر لهم دلالاتنا وحُجَجنا على كون القرآن حقا منزلا من عند الله ، عز وجل ، على رسوله صلى الله عليه وسلم بدلائل خارجية { فِي الآفَاقِ } ، من الفتوحات وظهور الإسلام على الأقاليم وسائر الأديان .

قال {[25754]} مجاهد ، والحسن ، والسدي : ودلائل في أنفسهم ، قالوا : وقعة بَدْر ، وفتح مكة ، ونحو ذلك من الوقائع التي حَلّت بهم ، نصر الله فيها محمدا وصحبه ، وخذل فيها الباطل وحِزْبَه .

ويحتمل أن يكون المراد من ذلك ما الإنسان مركب منه وفيه وعليه من المواد والأخلاط والهيئات العجيبة ، كما هو مبسوط في علم التشريح الدال على حكمة الصانع تبارك وتعالى . وكذلك ما هو مجبول عليه من الأخلاق المتباينة ، من حسن وقبيح وبين ذلك ، وما هو متصرف فيه تحت الأقدار التي لا يقدر بحوله ، وقوته ، وحِيَله ، وحذره أن يجوزها ، ولا يتعداها ، كما أنشده ابن أبي الدنيا في كتابه " التفكر والاعتبار " ، عن شيخه أبي جعفر القرشي :

وَإذَا نَظَرْتَ تُريدُ مُعْتَبَرا*** فَانظُرْ إليْكَ فَفِيكَ مُعْتَبَرُ

أنتَ الذي يُمْسِي وَيُصْبحُ في*** الدنيا وكُلّ أمُوره عبَرُ

أنتَ المصرّفُ كانَ في صِغَرٍ*** ثُمّ استَقَلَّ بِشَخْصِكَ الكِبَرُ

أنتَ الذي تَنْعَاه خلْقَتُه*** يَنْعاه منه الشَّعْرُ والبَشَرُ

أنتَ الذي تُعْطَى وَتُسْلَب لا*** يُنْجيه من أنْ يُسْلَبَ الحَذَرُ

أنْتَ الذي لا شَيءَ منْه لَهُ*** وَأحَقُّ منْه بِمَاله القَدَرُ

وقوله تعالى : { حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } ؟ أي : كفى بالله{[25755]} شهيدا على أفعال عباده وأقوالهم ، وهو يشهد أن محمدًا صادق فيما أخبر به عنه ، كما قال : { لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزلَ إِلَيْكَ أَنزلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ } [ النساء : 166 ] .


[25754]:- (1) في ت، أ: "قاله".
[25755]:- (2) في ت: "به".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{سَنُرِيهِمۡ ءَايَٰتِنَا فِي ٱلۡأٓفَاقِ وَفِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّۗ أَوَلَمۡ يَكۡفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ} (53)

{ سنريهم آياتنا في الآفاق } يعني ما أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم به من الحوادث الآتية وآثار النوازل الماضية ، وما يسر الله له ولخلفائه من الفتوح والظهور على ممالك الشرق والغرب على وجه خارق للعادة . { وفي أنفسهم } ما ظهر فيما بين أهل مكة وما حل بهم ، أو ما في بدن الإنسان من عجائب الصنع الدالة على كمال القدرة . { حتى يتبين لهم أنه الحق } الضمير للقرآن أو الرسول أو التوحيد أو الله { أو لم يكف بربك } أي أو لم يكف ربك ، والفاء مزيدة للتأكيد كأنه قيل : أو لم تحصل الكفاية به ولا تكاد تزاد في الفاعل إلا مع كفى . { أنه على كل شيء شهيد } بدل منه ، والمعنى أو لم يكفك أنه تعالى على كل شيء شهيد محقق له فيحقق أمرك بإظهار الآيات الموعودة كما حقق سائر الأشياء الموعودة ، أو مطلع فيعلم حالك وحالهم ، أو لم يكف الإنسان رادعا عن المعاصي أنه تعالى مطلع على كل شيء لا يخفى عليه خافية .