غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{سَنُرِيهِمۡ ءَايَٰتِنَا فِي ٱلۡأٓفَاقِ وَفِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّۗ أَوَلَمۡ يَكۡفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ} (53)

25

ثم بين أن الإسلام يعلو ولا يعلى وأن الغلبة والنصرة تكون لذويه فقال { سنريهم آياتنا في الآفاق } وهي الفتوح الواقعة على أيدي الخلفاء الراشدين والتي ستقع على أيدي أنصار دينه إلى يوم القيامة . { وفي أنفسهم } وهي فتح مكة وسائر الفتوح التي وجدت في عصر النبي صلى الله عليه وسلم { حتى يتبين لهم أنه } أي محمداً أو القرآن أو الدين { الحق } ووجه التبين أن هذا إخبار عن الغيب فإذا وقع مطابقاً دل على صدق المخبر بل إعجازه . وواحد الآفاق أفق وهو الناحية من نواحي الأرض والسماء . وعند المحققين الآيات الآفاقية هي الخارجة عن حقيقة الإنسان وبدنه كالأفلاك والكواكب والظلم والأنوار والعناصر والمواليد سواه . ولا ريب أن العجائب المودعة في هذه الأشياء مما لا نهاية لها ، وإنما يوقف عليها حيناً بعد حين . وقد أكثر الله تعالى من تقدير تلك الدلائل في القرآن ، بعضها في السور المكيات وكثير منها في المدنيات ، والآيات النفسية هي التي أودعها في تركيب الإنسان وفي ربط روحه العلوي ببدنه السفلي كقوله { وفي أنفسكم أفلا تبصرون }

[ الذاريات : 21 ] وفي قوله { سنريهم } دلالة على أن رؤية الأدلة إنما تكون بإراءة الله . قال جار الله : معنى قوله { أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد } هو أن هذه الآيات الموعودة تكفيهم دلالة على أن القرآن منزل من عالم الغيب المطلع على كل شيء . وقال حكماء الإسلام : أراد بقوله { أو لم يكف } توبيخ من ليس له رتبة الاستدلال بنفس الوجود على واجب الوجود ، فإن هذا هو طريقة الصديقين ، وأما غيرهم فإنهم يستدلون بالممكن على الواجب فيفتقرون إلى النظر في الآفاق . قال أهل المعرفة : النظر في الآفاق لأجل العوام والأنفس للخواص وقوله { أو لم يكف } لخواص الخواص . وقيل : أولم يكف الإنسان من الزاجر والرادع عن المعاصي كون الله شهيداً عليهم . وقيل : أراد أنه لا يخلف ما وعد لاطلاعه على الأشياء كلها .

/خ54