السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{سَنُرِيهِمۡ ءَايَٰتِنَا فِي ٱلۡأٓفَاقِ وَفِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّۗ أَوَلَمۡ يَكۡفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ} (53)

{ سنريهم آياتنا في الآفاق } قال ابن عباس : يعني منازل الأمم الخالية { وفي أنفسهم } أي : بالبلايا والأمراض ، وقال قتادة : يعني وقائع الله تعالى في الأمم الخالية وفي أنفسهم يوم بدر ، وقال مجاهد : في الآفاق ما يفتح الله تعالى من القرى على محمد صلى الله عليه وسلم وفي أنفسهم فتح مكة ، وقال عطاء : في الآفاق يعني : أقطار السماوات والأرض من الشمس والقمر والنجوم في آفاق الليل والنهار والأضواء والظلال والظلمات والنبات والأشجار والأنهار وفي أنفسهم من لطائف الصنعة وبديع الحكمة في كيفية تكوين الأجنة في ظلمات الأرحام وحدوث الأعضاء العجيبة والتركيبات الغريبة كقوله تعالى : { وفي أنفسكم أفلا تبصرون } ( الذاريات : 21 ) .

تنبيه : قال النووي في تهذيبه : قال أهل اللغة : الآفاق النواحي ، الواحد أفق بضم الهمزة والفاء ، وأفق بإسكان الفاء .

ولما كان التقدير ولا نزال نكرر عليهم هذه الدلائل عطف عليه { حتى يتبين لهم } غاية البيان بنفسه من غير إعمال فكر { أنه } أي : القرآن { الحق } أي : الكامل في الحقبة الذي يطابق الواقع المنزل من الله تعالى بالبعث والحساب والعقاب فيعاقبون على كفرهم به وبالجائي به ، وقيل : الضمير في أنه لدين الإسلام ، وقيل : لمحمد صلى الله عليه وسلم { أولم يكف بربك } أي : المحسن إليك بهذا البيان المعجز للإنس والجان شهادة بأن القرآن من عند الرحمان .

تنبيه : الباء زائدة للتأكيد كأنه قيل : أو لم تحصل الكفاية به ولا تكاد تزاد في الفاعل إلا مع كفى وقوله تعالى : { أنه على كل شيء شهيد } بدل من ربك ، والمعنى : أولم يكفهم في صدقك أن ربك لا يغيب عنه شيء ما وقد شهد لك فيه بالإعجاز لجميع الخلق بكل ما تضمنته آياته ونطقت به كلماته ، ففيه أعظم بشارة بتمام الدين وظهوره على المعتدين .