تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلۡمَلَأُ مِن قَوۡمِ فِرۡعَوۡنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوۡمَهُۥ لِيُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَيَذَرَكَ وَءَالِهَتَكَۚ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبۡنَآءَهُمۡ وَنَسۡتَحۡيِۦ نِسَآءَهُمۡ وَإِنَّا فَوۡقَهُمۡ قَٰهِرُونَ} (127)

يخبر تعالى عما تمالأ عليه فرعون وملؤه ، وما أظهروه{[12022]} لموسى ، عليه السلام ، وقومه من الأذى والبغضة : { وَقَالَ الْمَلأ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ } أي : لفرعون { أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ } أي : أتدعهم ليفسدوا في الأرض ، أي : يفسدوا أهل رعيتك ويدعوهم إلى عبادة ربهم دونك ، يالله للعجب ! صار{[12023]} هؤلاء يشفقون من إفساد موسى وقومه ! ألا إن فرعون وقومه هم المفسدون ، ولكن لا يشعرون ؛ ولهذا قالوا : { وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ } قال بعضهم : " الواو " هنا حالية ، أي : أتذره وقومه يفسدون وقد ترك عبادتك ؟

وقرأ ذلك أُبيّ بن كعب : " وقد تركوك أن يعبدوك وآلهتك " ، حكاه ابن جرير .

وقال آخرون : هي عاطفة ، أي : لا تدع موسى يصنع هو وقومه من الفساد ما قد أقررتهم{[12024]} عليه وعلى تركه آلهتك .

وقرأ بعضهم : " إلاهتك " أي : عبادتك ، ورُوي ذلك عن ابن عباس ومجاهد .

وعلى القراءة الأولى قال بعضهم : كان لفرعون إله يعبده . قال الحسن البصري : كان لفرعون إله يعبده في السر . وقال في رواية أخرى : كان له{[12025]} جُمَانة في عنقه معلقة يسجد لها .

وقال السدي في قوله تعالى : { وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ } وآلهته ، فيما زعم ابن عباس ، كانت البقر ، كانوا إذا رأوا بقرة حسناء أمرهم فرعون أن يعبدوها ، فلذلك أخرج لهم عجلا جسدا .

فأجابهم فرعون فيما سألوه بقوله : { سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ } وهذا أمر ثان بهذا الصنيع ، وقد كان نكل بهم به قبل ولادة موسى ، عليه السلام ، حذرا من وجوده ، فكان خلاف ما رامه وضدّ ما قصده فرعون . وهكذا عومل في صنيعه [ هذا ]{[12026]} أيضا ، إنما أراد قهر بني إسرائيل وإذلالهم ، فجاء الأمر على خلاف ما أراد : نصرهم الله عليه وأذله ، وأرغم أنفه ، وأغرقه وجنوده .


[12022]:في ك، م، أ: "أضمروه"، وفي د: "أضمروا".
[12023]:في أ: "صاروا".
[12024]:في أ: "أقررتم".
[12025]:في ك، م، أ: "لفرعون".
[12026]:زيادة من م، أ.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلۡمَلَأُ مِن قَوۡمِ فِرۡعَوۡنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوۡمَهُۥ لِيُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَيَذَرَكَ وَءَالِهَتَكَۚ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبۡنَآءَهُمۡ وَنَسۡتَحۡيِۦ نِسَآءَهُمۡ وَإِنَّا فَوۡقَهُمۡ قَٰهِرُونَ} (127)

{ وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض } بتغيير الناس عليك ودعوتهم إلى مخالفتك . { ويذرك } عطف على يفسدوا ، أو جواب الاستفهام بالواو كقول الحطيئة :

ألم أك جاركم ويكون بيني *** وبينكم المودّة والإخاء

على معنى أيكون منك ترك موسى ويكون منه تركه إياك . وقرئ بالرفع على أنه عطف على أنذر أو استئناف أو حال . وقرئ بالسكون كأنه قيل : يفسدوا ويذرك كقوله تعالى : { فأصدق وأكن } { وآلهتك } معبوداتك قيل كان يعبد الكواكب . وقيل صنع لقومه أصناما وأمرهم أن يعبدوها تقربا إليه ولذلك قال : { أنا ربكم الأعلى } وقرئ " إلاهتك " أي عبادتك . { قال } فرعون { سنُقتّل أبناءهم ونستحيي نساءهم } كما كنا نفعل من قبل ليعلم أنا على ما كنا عليه من القهر والغلبة ، ولا يتوهم أنه المولود الذي حكم المنجمون والكهنة بذهاب ملكنا على يده . وقرأ ابن كثير ونافع " سنقتل " بالتخفيف . { وإنا فوقهم قاهرون } غالبون وهم مقهورون تحت أيدينا .